رغيف الحكومة وخبز أبو شيخو
جمال الشواهين
جو 24 : الخبز هو الخبز ، لكنه ليس نفسه لما يصنعه أبو احمد شيخو ولا ينافسه بالأمر سوى سركيس .
ليس في اربد من لا يعرف الأول والثاني ، وهما معا ، تاريخ امتد في المدينة منذ خمسينيات القرن الماضي وما زال مستمرا ، إذ أن أحفاد أبو احمد على راس عملهم مكان جدهم الوجيه في المدينة كرديا أصيلا من الأردنيين الاقحاح ، والحال نفسه لسركيس الذي لولا اسمه لما علم احد إن كان هو مسلما أم نصرانيا .
ورغم أن مخبز الأول لا يبعد عن الثاني سوى أمتارا قليلة إلا انه طوال أكثر من ستة عقود على الجوار بينهما لم تحدث قط ، بينهما مجرد مشاجرة أو حتى تلاسن ، وطوال كل الزمن كان حسن الجوار سائدا وما زال رغم ضرورة التنافس الذي لم يلجأ له كلاهما .
أبناء سركيس ، بسام الذي غاب عن مشهد الفرن مبكرا ، وجوزيف الذي غادر الدنيا مبكرا جدا ، وجورج الذي يقود صناعة الخبز حتى ألان مع أعوان أكفاء . أما أبناء أبو احمد فهم أكثر مما يتسع لهم السرد هنا ، لكنهم جميعا صنعوا الخبز قبل أن يتحولوا للمهن والتجارة على شتى أنواعها وقد نجحوا عاى الدوام ، وهم جميعا من خيرة الناس أدبا وحسن خلق وتعامل ، ويهمني منهم كثيرا محمود الذي يحمل لقب أبيه أبو احمد ، رغم انه ليس كبير الإخوة ، وإنما يقع منهم متأخرا عند الوسط تقريبا .
أما ما يهم في محمود انه يقاربني سنا ، ولما أكون الذاهب للمخبز واجده عاملا ، استغربه نشاطا وإنتاجا وحرصا ومسؤولية عن غذاء الناس ، وعن مصنع كامل بكل ما فيه من عمال وأدوات . لم نكن تجاوزنا الثانية عشرة من العمر وكل ينظر للأخر من موقع الأحسن ولم ندرك آنذاك أننا فيه بذات القدر من مناظير مختلفة .
تذهب الأيام بالدنيا إلى جديد لا يكف عن التجدد ، وتمر تباعا دون اكتراث وتستمر بالعبور دون حسابات ، وعند محطة بطريقها وجدت محمود كبيرا ووجدني مثله وتلاقينا صديقين رغم سنوات من الغربة عشتها ومثلها من الجهد بذله .
حدثني مرة عن أجمل رغيف خبز وكيف هو لونا واستواء ، وعن لذة وصعوبة نار الفرن ، وعن الذين يتناولون الخبز وكيف أنهم مجرد يتناولونه . كان خبيرا بقيمة الأشياء لإيمانه بقيمة ما كان بصنع ، وما زال وهو تاجرا يعي أن الحياة عقيدة وجهاد دون أن يدرسها وانما تعلمها خبرة
عرفت اربد قديما مخابزا أخرى ، طخشون ، عليان ، البارحة ، المخيم ، البركة ، أبو حسن وغيرها ، وكلها جيدة ولها روادها غير أن أبو شيخو وسركيس شكلا تاريخا للمدينة وللذاكرة الوطنية لا يمكن تجاوزهما .
الغريب أن للحكومات الأردنية مخابزها أيضا غير أن واحدا منها لم يفلح حتى ألان بصنع مجرد رغيف واحد صالحا لاستهلاك الشعب الأردني كما ينبغي.السبيل
ليس في اربد من لا يعرف الأول والثاني ، وهما معا ، تاريخ امتد في المدينة منذ خمسينيات القرن الماضي وما زال مستمرا ، إذ أن أحفاد أبو احمد على راس عملهم مكان جدهم الوجيه في المدينة كرديا أصيلا من الأردنيين الاقحاح ، والحال نفسه لسركيس الذي لولا اسمه لما علم احد إن كان هو مسلما أم نصرانيا .
ورغم أن مخبز الأول لا يبعد عن الثاني سوى أمتارا قليلة إلا انه طوال أكثر من ستة عقود على الجوار بينهما لم تحدث قط ، بينهما مجرد مشاجرة أو حتى تلاسن ، وطوال كل الزمن كان حسن الجوار سائدا وما زال رغم ضرورة التنافس الذي لم يلجأ له كلاهما .
أبناء سركيس ، بسام الذي غاب عن مشهد الفرن مبكرا ، وجوزيف الذي غادر الدنيا مبكرا جدا ، وجورج الذي يقود صناعة الخبز حتى ألان مع أعوان أكفاء . أما أبناء أبو احمد فهم أكثر مما يتسع لهم السرد هنا ، لكنهم جميعا صنعوا الخبز قبل أن يتحولوا للمهن والتجارة على شتى أنواعها وقد نجحوا عاى الدوام ، وهم جميعا من خيرة الناس أدبا وحسن خلق وتعامل ، ويهمني منهم كثيرا محمود الذي يحمل لقب أبيه أبو احمد ، رغم انه ليس كبير الإخوة ، وإنما يقع منهم متأخرا عند الوسط تقريبا .
أما ما يهم في محمود انه يقاربني سنا ، ولما أكون الذاهب للمخبز واجده عاملا ، استغربه نشاطا وإنتاجا وحرصا ومسؤولية عن غذاء الناس ، وعن مصنع كامل بكل ما فيه من عمال وأدوات . لم نكن تجاوزنا الثانية عشرة من العمر وكل ينظر للأخر من موقع الأحسن ولم ندرك آنذاك أننا فيه بذات القدر من مناظير مختلفة .
تذهب الأيام بالدنيا إلى جديد لا يكف عن التجدد ، وتمر تباعا دون اكتراث وتستمر بالعبور دون حسابات ، وعند محطة بطريقها وجدت محمود كبيرا ووجدني مثله وتلاقينا صديقين رغم سنوات من الغربة عشتها ومثلها من الجهد بذله .
حدثني مرة عن أجمل رغيف خبز وكيف هو لونا واستواء ، وعن لذة وصعوبة نار الفرن ، وعن الذين يتناولون الخبز وكيف أنهم مجرد يتناولونه . كان خبيرا بقيمة الأشياء لإيمانه بقيمة ما كان بصنع ، وما زال وهو تاجرا يعي أن الحياة عقيدة وجهاد دون أن يدرسها وانما تعلمها خبرة
عرفت اربد قديما مخابزا أخرى ، طخشون ، عليان ، البارحة ، المخيم ، البركة ، أبو حسن وغيرها ، وكلها جيدة ولها روادها غير أن أبو شيخو وسركيس شكلا تاريخا للمدينة وللذاكرة الوطنية لا يمكن تجاوزهما .
الغريب أن للحكومات الأردنية مخابزها أيضا غير أن واحدا منها لم يفلح حتى ألان بصنع مجرد رغيف واحد صالحا لاستهلاك الشعب الأردني كما ينبغي.السبيل