الأمة العربية والمرحلة الجديدة
إن ما جرى ويجري في البلاد العربية يؤشر لمرحلة جديدة يجب أن يعيها الجميع : مسؤولين ومفكرين وسياسيين وتربويين ، فليست المسألة تغيير حكام أصابهم الصدأ والعفن وقتلتهم الدكتاتورية بل هو تغيير يتعلق بالمنهج السياسي في الحكم ، فلم يعد مقبولاً أن يتفرد الحاكم في كل شيء ، قوله الصواب ، ورأيه الحكمة ، وكلامه دستور ، وعيبه مستور ، يتمسح بالديمقراطية ليخفي تحتها الوجه البشع في التسلط وإرهاب السلطة الفرعونية التي كان نهجها « ما أريكم إلا ما أرى « ،
« أنا ربكم الأعلى « .
تهاوت الأصنام وجاء الحق وزهق الباطل وكما طُهرت مكة من الأوثان فالتطهير مطلوب للنهج القديم وليس الانتقام من موظفي العهود السابقة لأن الصفحة الجديدة تقتضي سمو مباديء العفو والصفح على قاعدة « إذهبوا فأنتم الطلقاء» .
المرحلة الجديدة مرحلة القرآن وليس الكتاب الأخضر ، مرحلة الشعب كله وليس الحزب الأوحد أو القائد ! ، مرحلة التعددية الحقيقية التي يجب أن تغير عقول الذين عاشوا على النهج القديم ولا يزالون يحلمون بعودة الماضي حيث أخذتهم الصدمة وفقدوا المكاسب التي كانوا يتمتعون بها على حساب الناس ، إنهم أيتام الأنظمة البائدة التي ذهبت وستذهب إلى غير رجعة غير مأسوف عليها .
وخلال التغيير ستظهر منغصات وسلبيات لكن المسألة مسألة وقت ، ولهذا سنرى من يشكك في التغيير ، ومن يسخر من القادة الجدد ، ومن يروي المشهد على أنه مؤامرة ، ومن يريد حرق مراحل التغيير بالقفز فوق الزمن والمتغيرات وأثقال العهد القديم وهي أثقال تنؤ بها الجبال حيث المديونية العالية ، والارتهان الاقتصادي والسياسي .
وقد يكون من ثمار التغيير المتسارع ما يقصم الظهر ويكسر الأعناق عبر الخلافات التي قد تعصف بالذين سعوا إلى التغيير دون أن تكون لهم رؤية واحدة مما يعني تعارض الاجتهادات أو تناقضها وقد تصل إلى مرحلة الصدام .
الأمة بتغيرها الجديد كلها تنطلق من الحرص على الوطن والعمل في حدوده رغم إدراك المغيرين الجدد أن القطرية بحد ذاتها هي عنوان من عناوين الضعف ولا بد من صيغة جديدة تحترم القطرية ولكنها في تعاملها الخارجي مع العالم تتحدث كأمة واحدة لأن الصغار لا مكان لهم في هذا العالم .
لقد كلفنا التغيير دماء ودموعاً وأموالاً وخسائر وهذا يعني أن يحترم الناس أرواح الشهداء وأن يتم الوفاء لهم بالبدء بالنهوض الطبيعي المصر على عدم العودة إلى الوراء مهما كلف الثمن ومهما كانت التضحيات .
(الرأي)