مشروع اللامركزية على صفيح ساخن
جميل النمري
جو 24 : في نقاش قانون اللامركزية أكّد كثير من النواب أن المشروع إصلاحي بامتياز. لكن ظهرت آراء ترفض وتشكك بصفة الاستعجال او تعارض المشروع وتدعو إلى ردّ القانون من منطلقات مختلفة بعضها يتحدث عن الظروف الاستثنائية الراهنة التي لا تسمح بالانشغال في مشروع هيكلي كبير كهذا وأخرى ترى ان الدولة ليست مهيأة لهذا التحول والإدارة المحلية لا تستطيع الاضطلاع به وأخرى تشكك في الجدوى وترى انه يحمل الخزينة أعباء أضافية من المناصب وتعدد طبقات المسؤولية، وكلها حيثيات مشروعة ظاهريا لكنها تضمر تهيبا وترددا أو حتى معارضة للإصلاح.
نحن دولة تعيش دوما في ظروف استثنائية وهذا ليس مبررا لتعطيل الإصلاح، وتطوير كفاءة الحكم المحلي لا يكون بالانتظار حتى نتوثق من كفاءة المستويات الأدنى للإدارة بل بتحميل الناس المسؤولية ونقل الصلاحيات تدريجيا بقدر تقدم الأداء، ولا حاجة لنعيد الحديث كله عن أهمية اللامركزية وهي مشروع نتحدث به منذ 10 سنوات ويوشك أخيرا أن يرى النور في إطار حزمة إصلاحية شاملة تشمل أيضا قانون البلديات وقانون الانتخابات النيابية .
هذا من حيث المبدأ أما من حيث المحتوى فقد تم توجيه بعض الانتقادات والملاحظات الأولية وهي محقة وهناك المزيد منها وبالاجمال فالقانون يتسم بالعمومية والغموض. والحقيقة ان التصورات حول اللامركزية ظلّت مضطربة وخلافية، ويبدو ان مشروع القانون فضل الهروب منها الان خصوصا فيما يتعلق بتوزيع السلطات والصلاحيات وتسلسل المرجعيات.
على كل حال سأتناول هنا جانبا واحدا يتسم أيضا بالغموض وهو هيكل التمثيل للمجلس المنتخب (برلمان المحافظة) فالقانون يحيله إلى نظام يضعه مجلس الوزراء لتحديد عدد أعضاء المجلس والدوائر الانتخابية وعدد مقاعد كل واحدة وهذا يبقي الغموض حول مسألة رئيسية هي نطاق التمثيل وعلاقته بالتقسيمات الإدارية وبالبلديات.
كنت قد طرحت في وقت سابق كحل انتقالي لتحقيق الجدوى وتجنب ازدواجية التمثيل والمنافسة ووجود مناصب تبحث لنفسها عن دور أن يتشكل مجلس المحافظة من رؤساء البلديات المنتخبين (و ربما رؤساء المجالس المحلية في المحافظات التي تحوي عددا قليلا من البلديات) وهذا يجنبنا أعباء مناصب إضافية تبحث لنفسها عن دور، ولا ادري إذا كانت الحكومة بحثت هذا المقترح؟! والحاصل أن القرار مال لفكرة أولية هي توسيع أعداد الأفراد المنتخبين من المجتمع على عدة مستويات لتخفيف التوتر والاحتقان وأيضا تحرير النيابة من الضغوط الخدماتية، ونحن نتفهم هذا التوجه لكن يجب أن يتضح كيف لهذا التمثيل الإضافي ان يتموضع بطريقة ايجابية بين التمثيل البلدي والتمثيل النيابي فلا يتوازى ولا يخلق ازدواجية ومنافسه ومشكلة إدارية.
إن الشخص المنتخب إلى مجلس المحافظة يجب أن يمثل منطقة ويكون صوتها وممثلا لمصالحها ولمطالبها الخدمية وبهذه الصفة فالأصوب أن تتطابق كل دائرة انتخابية مع التقسيم الإداري أو البلدي ( اللواء أو البلدية أو المجلس المحلي) وأن يكون لكل دائرة انتخابية ممثل واحد فوجود أكثر من ممثل لنفس الدائرة يربك الأدوار.
لكن القانون لا يوضح شيئا بل يقول فقط انه سيكون للناخب صوتان كحد أقصى بما يشير إلى احتمال أن يكون للدائرة مقعد آو أكثر على غرار تقسيم الدوائر الانتخابية للبرلمان وهذا خطأ والأصوب أن يكون لكل دائرة بغض النظر عن تفاوت الحجوم ممثل واحد لان التمثيل ليس سياسيا للسكان بل للحقوق الخدمية والتنموية للمناطق او البلديات فيكون لكل وحدة إدارية أو بلدية ممثل في مجلس المحافظة حيث يتقرر توزيع الموازنة والإنفاق والمشاريع.
ولتقوية التمثيل فالأفضل ان يكون العضو منتخبا بما لا يقل عن نصف الأصوات وهو ما يعني إعادة الانتخاب بين أعلى اثنين (نظام البالوتاج ) وليس انتخاب صاحب أعلى الأصوات من أول مرة فقد يتنافس عشرة مرشحين يفوز أعلاهم بعشرين بالمائة من الأصوات وهذا تمثيل ضعيف. ولعل النظام الانتخابي كما هو تقسيم الدوائر وعلاقتها بالبلديات وبالوحدات الإدارية لم يناقش على مستوى مجلس الوزراء ولم يوضح في القانون ولا بد سيكون موضوع نقاش نيابي.
أما بالنسبة لموضوع التعيين لربع الأعضاء وكذلك الحال بالنسبة إلى المسائل الشائكة المتعلقة بسلطات وصلاحيات مجلس المحافظة والمجلس التنفيذي والعلاقات الأفقية والعمودية لأعضائه و دور المحافظ ومرجعيتها وأيضا موضوع الكوتا النسائية فأتركه لمداخلة لاحقة.
نحن دولة تعيش دوما في ظروف استثنائية وهذا ليس مبررا لتعطيل الإصلاح، وتطوير كفاءة الحكم المحلي لا يكون بالانتظار حتى نتوثق من كفاءة المستويات الأدنى للإدارة بل بتحميل الناس المسؤولية ونقل الصلاحيات تدريجيا بقدر تقدم الأداء، ولا حاجة لنعيد الحديث كله عن أهمية اللامركزية وهي مشروع نتحدث به منذ 10 سنوات ويوشك أخيرا أن يرى النور في إطار حزمة إصلاحية شاملة تشمل أيضا قانون البلديات وقانون الانتخابات النيابية .
هذا من حيث المبدأ أما من حيث المحتوى فقد تم توجيه بعض الانتقادات والملاحظات الأولية وهي محقة وهناك المزيد منها وبالاجمال فالقانون يتسم بالعمومية والغموض. والحقيقة ان التصورات حول اللامركزية ظلّت مضطربة وخلافية، ويبدو ان مشروع القانون فضل الهروب منها الان خصوصا فيما يتعلق بتوزيع السلطات والصلاحيات وتسلسل المرجعيات.
على كل حال سأتناول هنا جانبا واحدا يتسم أيضا بالغموض وهو هيكل التمثيل للمجلس المنتخب (برلمان المحافظة) فالقانون يحيله إلى نظام يضعه مجلس الوزراء لتحديد عدد أعضاء المجلس والدوائر الانتخابية وعدد مقاعد كل واحدة وهذا يبقي الغموض حول مسألة رئيسية هي نطاق التمثيل وعلاقته بالتقسيمات الإدارية وبالبلديات.
كنت قد طرحت في وقت سابق كحل انتقالي لتحقيق الجدوى وتجنب ازدواجية التمثيل والمنافسة ووجود مناصب تبحث لنفسها عن دور أن يتشكل مجلس المحافظة من رؤساء البلديات المنتخبين (و ربما رؤساء المجالس المحلية في المحافظات التي تحوي عددا قليلا من البلديات) وهذا يجنبنا أعباء مناصب إضافية تبحث لنفسها عن دور، ولا ادري إذا كانت الحكومة بحثت هذا المقترح؟! والحاصل أن القرار مال لفكرة أولية هي توسيع أعداد الأفراد المنتخبين من المجتمع على عدة مستويات لتخفيف التوتر والاحتقان وأيضا تحرير النيابة من الضغوط الخدماتية، ونحن نتفهم هذا التوجه لكن يجب أن يتضح كيف لهذا التمثيل الإضافي ان يتموضع بطريقة ايجابية بين التمثيل البلدي والتمثيل النيابي فلا يتوازى ولا يخلق ازدواجية ومنافسه ومشكلة إدارية.
إن الشخص المنتخب إلى مجلس المحافظة يجب أن يمثل منطقة ويكون صوتها وممثلا لمصالحها ولمطالبها الخدمية وبهذه الصفة فالأصوب أن تتطابق كل دائرة انتخابية مع التقسيم الإداري أو البلدي ( اللواء أو البلدية أو المجلس المحلي) وأن يكون لكل دائرة انتخابية ممثل واحد فوجود أكثر من ممثل لنفس الدائرة يربك الأدوار.
لكن القانون لا يوضح شيئا بل يقول فقط انه سيكون للناخب صوتان كحد أقصى بما يشير إلى احتمال أن يكون للدائرة مقعد آو أكثر على غرار تقسيم الدوائر الانتخابية للبرلمان وهذا خطأ والأصوب أن يكون لكل دائرة بغض النظر عن تفاوت الحجوم ممثل واحد لان التمثيل ليس سياسيا للسكان بل للحقوق الخدمية والتنموية للمناطق او البلديات فيكون لكل وحدة إدارية أو بلدية ممثل في مجلس المحافظة حيث يتقرر توزيع الموازنة والإنفاق والمشاريع.
ولتقوية التمثيل فالأفضل ان يكون العضو منتخبا بما لا يقل عن نصف الأصوات وهو ما يعني إعادة الانتخاب بين أعلى اثنين (نظام البالوتاج ) وليس انتخاب صاحب أعلى الأصوات من أول مرة فقد يتنافس عشرة مرشحين يفوز أعلاهم بعشرين بالمائة من الأصوات وهذا تمثيل ضعيف. ولعل النظام الانتخابي كما هو تقسيم الدوائر وعلاقتها بالبلديات وبالوحدات الإدارية لم يناقش على مستوى مجلس الوزراء ولم يوضح في القانون ولا بد سيكون موضوع نقاش نيابي.
أما بالنسبة لموضوع التعيين لربع الأعضاء وكذلك الحال بالنسبة إلى المسائل الشائكة المتعلقة بسلطات وصلاحيات مجلس المحافظة والمجلس التنفيذي والعلاقات الأفقية والعمودية لأعضائه و دور المحافظ ومرجعيتها وأيضا موضوع الكوتا النسائية فأتركه لمداخلة لاحقة.