دروس المأساة.. عن نجل النائب الضلاعين
جميل النمري
جو 24 : خليط من مشاعر الحزن والصدمة والذهول والغضب تناوبت وأختلطت في صدورنا ونحن نقرأ خبر المصيبة التي حلّت بالأخ والصديق والزميل النائب مازن الضلاعين بقيام ابنه وفلذة كبده بتفجير نفسه في عملية انتحارية مع داعش. الغضب في النهاية على هؤلاء الأوباش الذين خطفوا هذا الشاب الوسيم والواعد لأهله وبلده وذويه وارسالة بكل لؤم بعد استكمال غسيل دماغه الى تفجير اجرامي بحقه وحق ضحايا آخرين.
كنت قد كتبت في مقالي يوم الجمعة أن التآمر الأجنبي يمكن أن يخلق جيشا من المرتزقة لكنه لا يخلق انتحاريا واحدا. وذلك في سياق التعليق على خطاب جلالة الملك عن المعركة الفكرية مع الارهاب معركة كسب العقول والقلوب. وقد جاء هذا الحادث المأساوي ليعطي مجددا توضيحا عيانيا قاطعا للقضية.
ليس الفقر ولا البطالة ولا الاضطهاد ولا التهميش بل غسيل الدماغ بعقيدة منحرفة هي ما ساقت شابا في مقتبل العمر من عائلة ميسورة ووالد في منصب مرموق يدرس الطب في أوكرانيا لترك كل شيء والالتحاق ب " الدولة الاسلامية في العراق والشام " والأكثر اذهالا ان يقدم على تفجير نفسه في عملية انتحارية.
ان المرء لفرط اللامعقولية في هذه القضية يضع فرضيات من نوع اصابة الشاب بحالة من حالات الفصام لكن التفجيرات الانتحارية ليست حادثة شاذة وفردية انها نهج يومي يجد مئات الأفراد المستعدين لممارسته . وقد بدأته في وقت مبكر " الدولة الاسلامية في العراق " ولوقت طويل فضّل الكثيرون عندنا دفن الرأس في الرمال واشاحة الوجه وانكار الحقيقية وتكذيب الاعلام ووضع شتى الفرضيات التي لا تخرج في النهاية عن نظرية المؤامرة.
هذا الانكار الذي يحيل الذنب على آخرين راسخ في ثقافتنا، وليست القضية ان نتجادل بشأن المؤامرة وما يضمره الغرب و"استهداف الأمة" الدائم بالتمزيق والتفتيت والتدمير والاضعاف فأي يكن الأمر فنحن مسؤولون عن أدائنا، حتى حين تكون هناك مواجهة فرضت علينا في ظلّ موازين قوى مختلة موضوعيا ضدنا فيجب ان نتحاسب على سلامة القرار وسلامة الأداء. ماذا عن أداء عبد الناصر عام 67 وأداء صدام حسين عام 91. أحد مظاهر الفشل هو بالضبط الهرب من تحديد مسؤولياتنا وتقييم أدائنا قادة وشعوبا، أنظمة وقوى سياسية واجتماعية.
عندما بدأت التفجيرات الانتحارية في العراق بعد الاحتلال ذعرنا من هذه الظاهرة ومعها جزّ رؤوس المختطفين المدنيين أمام الكاميرات لكن عندنا كان الانكار سيد الموقف تبرئة أو تبريرا. واكثر من استهداف الاحتلال الأمريكي كانت تستهدف بالتفجيرات الانتحارية المجرمة الحسينيات والمراقد الشيعية ومباشرة بعد ذلك الجنازات وبيوت العزاء بضحيا تفجيرات اليوم السابق ثم الأسواق والمدارس والكنائس وكل مكان يمكن اصابة أكبر عدد من الضحايا الأبرياء. وبقي التيار السائد عندنا يفترض ان هذه الأعمال من صنع أعداء الأمّة لتشويه صورة الجهاد والجهاديين. وحتى بعد التفجيرات الانتحارية المجرمة في فنادق عمان خرجت شخصية اسلامية معروفة عندنا في اول تعليق تتهم اعداء الأمة بهذه التفجيرات لتشويه صورة الجهاد وتأليب الرأي العام عليه.
من المشروع ان نتساءل عن ولادة داعش الغامضة واتساعها المذهل مع ان القصة معروفة ابتداء من جذب العراق تحت الاحتلال لآلاف القاعديين واتباع السلفية الجهادية في كل مكان وانتهاء بتسهيل النظامين في سوريا والعراق لهذا التيار بالذات لصنع الخصم الطائفي المناسب فيحل الارهاب محل المعارضة الوطنية النظيفة. لكن أي كانت المناورات السياسية التي سهلت لهذا التيار أمره فإن آلاف الملتحقين بداعش ومئات الانتحاريين الذين قضوا او هم على الطريق لم يأتو بإيعاز من شيء سوى جاذبية النموذج الذي مثلته الدولة الاسلامية المفترضة هل من شيء غير ذلك جذب ابن الصديق النائب محمد العبادي الذي قضى في سوريا قبل اشهر وابن الصديق النائب الضلاعين الذي قضى في العراق؟!
طبعا هناك عوامل عديدة تقود الشباب الى هذا الطريق وهناك مسؤوليات في الواقع الاجتماعي الاقتصادي لكن الأساس الأول لجذب الشباب ولنشوء هذا التيار الخطير نفسه هو أساس فكري انتقل تدريجيا بالاسلام السياسي الى السلفية الجهادية وهيو تطور سياسي فكري تابعنا تطوره منذ الثمانينات وثمة خيط دقيق فصل بين السلفية السلمية والسلفية الجهادية كما رأينا في حالات معروفة ، وقد انتهى الأمر بظاهرة داعش كأقصى تجليات هذا التيار تطرفا.
مكن للأنسان اليائس في ذروة بؤسه أن يذهب للأنتحار لكن من يذهب لتفجير انتحاري كفعل جهادي يجب ان يكون تحت تأثير انحياز عقائدي وايمان مطلق بما يقوم به ويجب ان يصدمنا كيف يصل هذا التأثير الى شباب متعلم وميسور الحال. ولنتخيل ان المئات الجاهزين لهذا العمل في سوريا والعراق يمكن ان يتواجدو عندنا وان أجندة قادتهم قد تتجه الينا.
علينا استخلاص النتائج من آخر حادثة مأساوية وليس صدفة ان جلالة الملك مع كل التركيز على البعد الأمني والاجتماعي يعود ويكرر بلا كلل على المسألة الاستراتيجية في مواجهة الارهاب والتطرف انها المسألة الفكرية التي يجب خوضها على كل المستويات ولسنوات .. في الدين وفي الثقافة وفي الاعلام وعلى المنابر وفي غرف التدريس.
كنت قد كتبت في مقالي يوم الجمعة أن التآمر الأجنبي يمكن أن يخلق جيشا من المرتزقة لكنه لا يخلق انتحاريا واحدا. وذلك في سياق التعليق على خطاب جلالة الملك عن المعركة الفكرية مع الارهاب معركة كسب العقول والقلوب. وقد جاء هذا الحادث المأساوي ليعطي مجددا توضيحا عيانيا قاطعا للقضية.
ليس الفقر ولا البطالة ولا الاضطهاد ولا التهميش بل غسيل الدماغ بعقيدة منحرفة هي ما ساقت شابا في مقتبل العمر من عائلة ميسورة ووالد في منصب مرموق يدرس الطب في أوكرانيا لترك كل شيء والالتحاق ب " الدولة الاسلامية في العراق والشام " والأكثر اذهالا ان يقدم على تفجير نفسه في عملية انتحارية.
ان المرء لفرط اللامعقولية في هذه القضية يضع فرضيات من نوع اصابة الشاب بحالة من حالات الفصام لكن التفجيرات الانتحارية ليست حادثة شاذة وفردية انها نهج يومي يجد مئات الأفراد المستعدين لممارسته . وقد بدأته في وقت مبكر " الدولة الاسلامية في العراق " ولوقت طويل فضّل الكثيرون عندنا دفن الرأس في الرمال واشاحة الوجه وانكار الحقيقية وتكذيب الاعلام ووضع شتى الفرضيات التي لا تخرج في النهاية عن نظرية المؤامرة.
هذا الانكار الذي يحيل الذنب على آخرين راسخ في ثقافتنا، وليست القضية ان نتجادل بشأن المؤامرة وما يضمره الغرب و"استهداف الأمة" الدائم بالتمزيق والتفتيت والتدمير والاضعاف فأي يكن الأمر فنحن مسؤولون عن أدائنا، حتى حين تكون هناك مواجهة فرضت علينا في ظلّ موازين قوى مختلة موضوعيا ضدنا فيجب ان نتحاسب على سلامة القرار وسلامة الأداء. ماذا عن أداء عبد الناصر عام 67 وأداء صدام حسين عام 91. أحد مظاهر الفشل هو بالضبط الهرب من تحديد مسؤولياتنا وتقييم أدائنا قادة وشعوبا، أنظمة وقوى سياسية واجتماعية.
عندما بدأت التفجيرات الانتحارية في العراق بعد الاحتلال ذعرنا من هذه الظاهرة ومعها جزّ رؤوس المختطفين المدنيين أمام الكاميرات لكن عندنا كان الانكار سيد الموقف تبرئة أو تبريرا. واكثر من استهداف الاحتلال الأمريكي كانت تستهدف بالتفجيرات الانتحارية المجرمة الحسينيات والمراقد الشيعية ومباشرة بعد ذلك الجنازات وبيوت العزاء بضحيا تفجيرات اليوم السابق ثم الأسواق والمدارس والكنائس وكل مكان يمكن اصابة أكبر عدد من الضحايا الأبرياء. وبقي التيار السائد عندنا يفترض ان هذه الأعمال من صنع أعداء الأمّة لتشويه صورة الجهاد والجهاديين. وحتى بعد التفجيرات الانتحارية المجرمة في فنادق عمان خرجت شخصية اسلامية معروفة عندنا في اول تعليق تتهم اعداء الأمة بهذه التفجيرات لتشويه صورة الجهاد وتأليب الرأي العام عليه.
من المشروع ان نتساءل عن ولادة داعش الغامضة واتساعها المذهل مع ان القصة معروفة ابتداء من جذب العراق تحت الاحتلال لآلاف القاعديين واتباع السلفية الجهادية في كل مكان وانتهاء بتسهيل النظامين في سوريا والعراق لهذا التيار بالذات لصنع الخصم الطائفي المناسب فيحل الارهاب محل المعارضة الوطنية النظيفة. لكن أي كانت المناورات السياسية التي سهلت لهذا التيار أمره فإن آلاف الملتحقين بداعش ومئات الانتحاريين الذين قضوا او هم على الطريق لم يأتو بإيعاز من شيء سوى جاذبية النموذج الذي مثلته الدولة الاسلامية المفترضة هل من شيء غير ذلك جذب ابن الصديق النائب محمد العبادي الذي قضى في سوريا قبل اشهر وابن الصديق النائب الضلاعين الذي قضى في العراق؟!
طبعا هناك عوامل عديدة تقود الشباب الى هذا الطريق وهناك مسؤوليات في الواقع الاجتماعي الاقتصادي لكن الأساس الأول لجذب الشباب ولنشوء هذا التيار الخطير نفسه هو أساس فكري انتقل تدريجيا بالاسلام السياسي الى السلفية الجهادية وهيو تطور سياسي فكري تابعنا تطوره منذ الثمانينات وثمة خيط دقيق فصل بين السلفية السلمية والسلفية الجهادية كما رأينا في حالات معروفة ، وقد انتهى الأمر بظاهرة داعش كأقصى تجليات هذا التيار تطرفا.
مكن للأنسان اليائس في ذروة بؤسه أن يذهب للأنتحار لكن من يذهب لتفجير انتحاري كفعل جهادي يجب ان يكون تحت تأثير انحياز عقائدي وايمان مطلق بما يقوم به ويجب ان يصدمنا كيف يصل هذا التأثير الى شباب متعلم وميسور الحال. ولنتخيل ان المئات الجاهزين لهذا العمل في سوريا والعراق يمكن ان يتواجدو عندنا وان أجندة قادتهم قد تتجه الينا.
علينا استخلاص النتائج من آخر حادثة مأساوية وليس صدفة ان جلالة الملك مع كل التركيز على البعد الأمني والاجتماعي يعود ويكرر بلا كلل على المسألة الاستراتيجية في مواجهة الارهاب والتطرف انها المسألة الفكرية التي يجب خوضها على كل المستويات ولسنوات .. في الدين وفي الثقافة وفي الاعلام وعلى المنابر وفي غرف التدريس.