حصر قول
اصطحبته كعادتها في كل رمضان إلى حفل افتتاح "كوفي شوب" جديد يحمل اسم "أرجيلتي حبيبتي"... أجلست "العيال" في حضنه حتى يتسنى لها الاشتراك في فعاليات الافتتاح ولا سيما المسابقة ذات الجوائز القيّمة، فكلّما طُرح سؤال على الجمهور تسارع بالضغط على "زر المايكروفون" لتبادر بالإجابة دونما أن توفّق باختيار الإجابة الصحيحة. يحاول زوجها أن يشارك في تقديم الإجابات لكنها – كلّما انتفض استعداداً لأن يزودها بالإجابة الصحيحة – تبادرُ بوضع يدها فوق يده حائلةً بينها وبين "زر المايكروفون" متبوعةً بنظرةٍ أنثويةٍ توحي بـ "ريّح حالك حبيبي خليها عليّ". أبقى على رغبته في الإجابة - لحرصه على الفوز بإحدى الجوائز القيّمة والخروج "ببياض الوجه" أمام الجمهور الذي لا يخلو من صديقٍ أو قريبٍ أو حسيبٍ أو نسيبٍ أو عديل- حبيسةً صدره وحنجرته وفضّل الاستسلام للأمر الواقع معتمداً على حديث نفسه: "والله إنها على قد المسؤولية وما بجيبها إلا نسوانها".
ومع مرور الوقت والصمت بدأ يتنامى لديه الإحساس بالحاجة إلى تلبية نداء الطبيعة والذهاب إلى دورة المياه لإراحة الضمير المتعب، حيث أنه وفي خضم مشاركات الزوجة وانشدادها إلى المسابقة والجوائز لم يكن بمقدورهِ البوح بأنه يعاني من أزمة "بولية" تكتنفه منذ التاسعة وثلاث عشرة دقيقة مساءاً وحتى الساعة الثانية عشرة وثمان دقائق بعد منتصف الليل، فمع كل دقيقة تشتد أواصر الاحتقان بحثاً عن انفراجٍ يفضي إلى عالم الراحة لكن الأزمة ما زالت متصاعدة في الحصر والضيق من مبادرةٍ للإجابة إلى أخرى. خطر بباله أن يضغط "زر المايكروفون" ويتحدث إلى مقدّم المسابقة علّه يرشده ويأخذ بيده إلى دورة المياه. وفي لحظة من الجرأة تقدمت يده المترددة إلى "الزر" وضغط وإذ بمقدّم المسابقة يلتفت لأول مرة إلى حيث يجلس، وبصوت قوي تكلّم مقدّم المسابقة: "هونداي سوناتا... هونداي سوناتا..." عندها أحس صاحبنا بأنه وبهذه الضغطة العشوائية قد استحق جائزة سيارة؛ الأمر الذي لم تصنعه الزوجة عبر عشرات المحاولات والمبادرات، عندها ولأول مرة منذ جلوسه على الكرسي شعر بأنه قد انتصر لحريته وفاز.
بعد لحظات من الإشارة إلى السيارة ولونها وإذ بمقدّم المسابقة يكمل: "على صاحب السيارة "هونداي سوناتا لون ذهبي موديل 1999" أن يتفضل مشكوراً لإزاحة سيارته من أمام المحل لأنها تعيق خروج العديد من السيارات.
هنا أسكتت الصدمة حواسه وانقباضاته وأشار لزوجته للخروج من المكان. غادر ولا زالت أزمته لم تخرج من عنق "المثانة"...
د. قيس جمال الخلفات
qkhalafat@yahoo.com