"عشان خاطرك"
ما أن وقفتَ بباب محلٍ لبيع الخضار والفاكهة وهَممتَ بسؤال البائع عن سعر أحد الأصناف الذي نالَ استحسانك، تأتيك الإجابة بأسرع من لمح البصر "إحنا بنبيعها بدينارين، وللناس الطيبة وعشان خاطرك بدينار وثمانين قرش". وعند وقوفك في "طابور" داخل محل حلويات تنتظر أن يصلك "الدور" لتحصل على "الكنافة" التي اشتريت، تبادر بالقول للعامل الذي سيضعها في الصحن المخصص لك: "زبّطها لو سمحت"، لتنعمَ بنصف ابتسامة صفراء من وجه العامل مع عبارةٍ خاطفة "على راسي أحلى كنافة لعيونك، وعشان خاطرك هي زيادة قطر"، وإذا ما شاهدت واستمعت إلى من سبقكَ ومن تبعكَ في "الدور" لوجدتَ أنَّ من طلب ومن لم يطلب "تزبيط الكنافة" قد حصلَ على "الكنافة" ذاتها وكمية القطر نفسها، وعشان خاطر كل المشترين.
وفي متجر الملابس ليلة العيد وأنتَ في صدد السؤال عن سعر "طقم أطفال" نالَ إعجابك وإعجاب من يرافقك، تهلّ عليك عبارات الترحيب والمعايدة ذات المترادفات العجيبة والأنيقة متبوعة بـ : "للناس الطياب بلا مصاري، خليها علينا عشان خاطرك، بدنا نكسبك زبون".
أينما ذهبت وحيثما حللت في وطننا الحبيب فإنك و"عشان خاطرك" تحصل على كل شيء؛ فخاطر المواطن من خاطر الوطن الذي لا يقدر بثمن؛ فالديمقراطية عشان خاطرك، والمفسدين خلف القضبان عشان خاطرك، والمشاريع التنموية والاستثمارية عشان خاطرك، والقوانين عشان خاطرك، والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص في التعيين والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، وعوائد التنمية وتعبيد الشوارع ونصب أعمدة الإنارة وتجديد شبكات المياه، وتقديم خدمات النظافة كلها عشان خاطرك، وموائد الرحمن ومسابقات رمضان عشان خاطرك، والإدارة الفعالة للأزمات عشان خاطرك، ووصول المياه إلى منزلك بلا انقطاع عشان خاطرك، والأسعار لا ترتفع عشان خاطرك، والأحوال الجوية عشان خاطرك وعلى خاطرك، والحد من البطالة عشان خاطرك، وتجفيف منابع العنف عشان خاطرك، والنزاهة والشفافية المفرطة عشان خاطرك، ومن يمثـّلك وينطق باسمك ويقرر نيابة عنك على خاطرك وعشان خاطرك، والإصلاح عشان خاطرك....
"تكرم"، "ولا يهمك"، و "إبشر"، و "على راسي"، "ومن عيوني"، و "غالي والطلب رخيص"، و "يخسى الذيب" و كله عشان خاطرك يا وطن.
وعشان خاطركوا كتبت هذا المقال!! وكل عام وخاطركوا بخير.
د. قيس جمال الخلفات
qkhalafat@yahoo.com