سور تونس العظيم
توقفت ملياً عند ما تضمنه التقرير الذي أصدرته مؤسسة Freedom House مؤخراً تحت عنوان "دول على مفترق طرق"، الذي أشار إلى وجود تراجع في "الحكم الديمقراطي" على مستوى العالم عام 2011 وتهافت ما نتج عن إرهاصات الربيع العربي من نشوء أنظمة عربية جديدة غير ديمقراطية قد تكرّس نهج الأنظمة الشمولية وتعيد المنطقة إلى حالتها الأولى (ما قبل الثورات).
استند معدّو التقرير إلى معايير عدة في تقييم حالة الدول المستهدفة من الدراسة خلال الفترة ما بين 2009 إلى 2011 ومن أبرز هذه المعايير: المسائلة وصوت الشعب، والحريات المدنية، وسيادة القانون، ومحاربة الفساد... هذا وقد ميّز التقرير تونس عن غيرها من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوصفها أكثر هذه الدول نمواً وتقدماً في الحكم الديمقراطي بشكل عام بعد زوال نظام الحكم الأسبق.
الحالة التونسية تعبّر في إطارها العام عن معادلة فريدة في منطقتنا العربية ذلك أنّ العقل والإرادة الجمعية التونسية تقاربان إلى حدٍ كبير حاصل جمع العقل والإرادة الفردية التونسية، وأن شكل واتجاه العلاقات الداخلية بين التونسيين لم يكن مؤثراً بصورة ملحوظة على اتجاه العقل الجمعي التونسي والإرادة الكلية، وأن الاختلاف -وإن وصل في مرحلة ما إلى الخلاف- لم يرقَ في أغلب الأحيان إلى مستوى الإنقسام على المبادئ والثوابت بل على المنهجيات والأساليب، وكأننا أمام نموذج لثورة ذات مواصفات عربية بمقاييس أوروبية تبعث الطمأنينة في النفوس، وتنمّي العزيمة على تجاوز أي توقفات مؤقتة ومهاترات مصطنعة تحدّ من سرعة إقلاع منحنى النمو الديمقراطي التونسي إلى أعلى.
المصل الذي حقنت أوروبا به تونس والذي قصدت منه الإبقاء عليها منصاعة إلى الطيف الثقافي-السياسي الأوروبي قد فقد مفعوله وبدأت العلامات الحيوية للتعافي تظهر على الجسم الوطني التونسي، وزادت مناعته وأجسامه المضادة تجاه التخلص من مثبطات الحرية والحركة، ومعيقات الإصلاح والتغيير، وملوّثات التفكير والتنوير، وحواجز النمو والتنمية، وأفخاخ ومكائد الانقسام والاقتتال...
المعايير التي اعتمدها أرباب (بيت الحرية) كفيلة أن تساعد في تفحّص أسباب وأعراض الاضطرابات الصحية التي تكتنف "دول الربيع" لأنها تشكّل أضلاعاً أربعة لمربع "دولة الحياة"... إنني أرى فيه درساً وعبرةً لمن يعتبر، وسبيلاً لمن أراد أن يهتدي.
qkhalafat@yahoo.com