خشية على الخيط أن ينقطع
جميل النمري
جو 24 : لم تكن فكرة موفقة أبدا الاعتصام الاحتجاجي أمام بيوت مسؤولين حاليين أو سابقين، بل إنها بدعة ضارّة، تنحرف بالحراك إلى الشخصنة بدل التركيز على السياسات وعلى المؤسسات، وتخلق شقاقا عائليا وعشائريا يخرب على القضايا العادلة، وعلى النضال من أجل الإصلاح. وقد وقع ذلك فعلا عندما قام جمهور بالانتصار للشخصيات المستهدفة، ثم الاعتداء بالضرب على اثنين من المبادرين إلى هذه الحركة، وهو عمل مرفوض قام على إثره أهل المعتدى عليهم بالانتصار لهم، فدخلنا في دائرة العنف والفزعات العشائرية العمياء. نأمل أن يكون هذا درسا في إدارة الحراك بطريقة صحيحة؛ فالساحة تعاني من الارتباك والتوتر وضياع البوصلة، ولا حاجة إلى المزيد بمثل هذه الأساليب.
أستطيع القول بصدق إن المناخ الشعبي لم يشهد أبدا مثل ما نراه الآن من إحباط وتوتر وانعدام اليقين حول المستقبل. وأساس القضية هو تعمق المصاعب الاقتصادية والمعيشية، في نفس الوقت الذي تنعدم فيه الثقة بالإصلاح؛ وهو ما يفتح بالضبط على المجهول.
هناك أقلية تذهب باتجاه التصعيد وتجاوز كل السقوف في الشعارات. وهناك أقلية في مواقع القرار تواصل إدارة الظهر والمضي في مشروع الارتداد على الإصلاح إلى نهاياته، بينما الأغلبية تجد نفسها وسط حيرة شديدة، وخوف من الانزلاق إلى الصدام والعنف. وفي هذا الوسط، نرصد تصاعد السخط والنفور من السلطة. ونقطة التحول التي لا نعرف كيف ومتى ستأتي، ستكون بانزياح البوصلة من سيادة الحرص على الأمن والنظام والسلم الاجتماعي أولا وقبل كل شيء، إلى التمرد والرفض أيا كان الثمن.
وسترد الحكومة بأن الارتداد عن الإصلاح هو اتهام مجاني وظالم. ولكننا لا نستطيع أن نداري ونجامل، فكل شيء في سلوك الحكومة يقول ذلك، وآخر ما حرر هو قانون المطبوعات والنشر المعدل المقدم إلى مجلس النواب؛ إذ لم تجرؤ أي حكومة سابقة على تقديم مثل هذا المشروع الذي يسدل الستار الإلكتروني ويغلق الفضاء الذي انفتح على مصراعيه، وأعطى لحرية التعبير آفاقا غير محدودة.
ومرّة أخرى ستقول الحكومة إننا نبالغ، ونتجنى على الحكومة. لكن دلونا على بلد غير العدد الذي يعد على أصابع اليد الواحدة يشرع للإدارة الحكومية حجب المواقع الإلكترونية، ويفرض ترخيصها المسبق. ونحن لا ندافع أبدا عن البذاءات وصنعة التكسب والابتزاز التي يحترفها دخلاء أو غير دخلاء على الإعلام الإلكتروني، بل نطالب بتفعيل القانون الذي يستطيع بالوضع الحالي ملاحقة كل مسيء، وإنصاف كل من يلحقه الأذى. وبالفعل، فهناك عشرات القضايا ضد مواقع إلكترونية وأصحابها والناشرين فيها، وقد تم بالفعل الحكم بغرامات باهظة على مخالفين. ومع الأسف، فإن الأداء الرديء والمسيء لبعض المواقع قد تم استغلاله لتشريع يمد يد السلطة إلى الفضاء الإلكتروني الحر.
نخشى على البلد.. فقوى الشد العكسي في مواقع القرار تواصل شدّها، وقوى الحراك تصعّد رفضها، وننظر بالاتجاهين ثم إلى الوسط خشية على الخيط أن ينقطع.. ربنا يستر!"الغد"
أستطيع القول بصدق إن المناخ الشعبي لم يشهد أبدا مثل ما نراه الآن من إحباط وتوتر وانعدام اليقين حول المستقبل. وأساس القضية هو تعمق المصاعب الاقتصادية والمعيشية، في نفس الوقت الذي تنعدم فيه الثقة بالإصلاح؛ وهو ما يفتح بالضبط على المجهول.
هناك أقلية تذهب باتجاه التصعيد وتجاوز كل السقوف في الشعارات. وهناك أقلية في مواقع القرار تواصل إدارة الظهر والمضي في مشروع الارتداد على الإصلاح إلى نهاياته، بينما الأغلبية تجد نفسها وسط حيرة شديدة، وخوف من الانزلاق إلى الصدام والعنف. وفي هذا الوسط، نرصد تصاعد السخط والنفور من السلطة. ونقطة التحول التي لا نعرف كيف ومتى ستأتي، ستكون بانزياح البوصلة من سيادة الحرص على الأمن والنظام والسلم الاجتماعي أولا وقبل كل شيء، إلى التمرد والرفض أيا كان الثمن.
وسترد الحكومة بأن الارتداد عن الإصلاح هو اتهام مجاني وظالم. ولكننا لا نستطيع أن نداري ونجامل، فكل شيء في سلوك الحكومة يقول ذلك، وآخر ما حرر هو قانون المطبوعات والنشر المعدل المقدم إلى مجلس النواب؛ إذ لم تجرؤ أي حكومة سابقة على تقديم مثل هذا المشروع الذي يسدل الستار الإلكتروني ويغلق الفضاء الذي انفتح على مصراعيه، وأعطى لحرية التعبير آفاقا غير محدودة.
ومرّة أخرى ستقول الحكومة إننا نبالغ، ونتجنى على الحكومة. لكن دلونا على بلد غير العدد الذي يعد على أصابع اليد الواحدة يشرع للإدارة الحكومية حجب المواقع الإلكترونية، ويفرض ترخيصها المسبق. ونحن لا ندافع أبدا عن البذاءات وصنعة التكسب والابتزاز التي يحترفها دخلاء أو غير دخلاء على الإعلام الإلكتروني، بل نطالب بتفعيل القانون الذي يستطيع بالوضع الحالي ملاحقة كل مسيء، وإنصاف كل من يلحقه الأذى. وبالفعل، فهناك عشرات القضايا ضد مواقع إلكترونية وأصحابها والناشرين فيها، وقد تم بالفعل الحكم بغرامات باهظة على مخالفين. ومع الأسف، فإن الأداء الرديء والمسيء لبعض المواقع قد تم استغلاله لتشريع يمد يد السلطة إلى الفضاء الإلكتروني الحر.
نخشى على البلد.. فقوى الشد العكسي في مواقع القرار تواصل شدّها، وقوى الحراك تصعّد رفضها، وننظر بالاتجاهين ثم إلى الوسط خشية على الخيط أن ينقطع.. ربنا يستر!"الغد"