الحكومة وربيع الفلتان المطلبي
جميل النمري
جو 24 : نعود مجددا إلى أجواء الفلتان المطلبي التي تسيدت مشهد الربيع الأردني، ووصلت ذروتها قبل أشهر أثناء تطبيق الهيكلة، وانتهت بتسويات مكلفة للخزينة العامة. والآن، مع اشتداد الأزمة السياسية، نرى انفلاتا مطلبيا جديدا سيتوسع مع أجواء الانتخابات النيابية. وكان العاملون في "البوتاس" قد خاضوا إضرابا مطلبيا كلف الشركة خسائر باهظة قبل تلبية مطالبهم. وقبلهم فعل موظفو "الفوسفات"، وها هم متقاعدو "الفوسفات" يفترشون الأرض بالمئات منذ أسبوعين في اعتصام مفتوح أمام شركتهم. كما أن موظفي أمانة عمان اليائسين من التجاوب معهم، قرروا أيضا اعتصاما مفتوحا. لست مؤهلا لأن أجزم بسلامة مطالب أي فئة، كليا أو جزئيا؛ فهناك مظالم مزمنة لفئات هي بالفعل مظلومة قياسا بمثيلاتها، كما هو حال موظفي "الأراضي والمساحة".
والشيء الخطير في كل هذا هو تحطم النظام الاجتماعي، ووقوع البلد في الفوضى. ولو وقعت عشرة اعتصامات مطلبية في آن معا على غرار اعتصام موظفي "الفوسفات" أمام الشارع العام، لأصبح مستحيلا تلبية متطلبات حفظ الأمن. وقد لاحظت حجم الحشد الأمني المطلوب لضمان بقاء الشوارع الحيوية مفتوحة، وعدم حصول فوضى وشغب، أكان داخل الشركة أو خارجها. وبالتأكيد أنه يتم سحب هؤلاء من توزيعهم الأمني اليومي والعادي. وتستطيع إدارة الشركة الاعتماد على هذا الحشد للاستمرار في تجاهلها للمعتصمين، لكن ماذا لو كانت هناك عشرات الاعتصامات المماثلة والمتصلة هنا وهناك، داخل العاصمة وفي المحافظات؟!
أخشى أن الدولة ستدفع من باب آخر ثمن التنكر للإصلاح الشامل ومكافحة الفساد. فلو كانت هناك محاسبة صارمة على نهب مال "الفوسفات" في الخصخصة وما بعد الخصخصة، ووضعت الأمور في نصاب صحيح يعيد ملكية الشعب للشعب، لأمكن مواجهة الاعتصامات المطلبية بعين قوية، وسلطة أخلاقية كاملة. لكن مجلس نوابنا العتيد منع محاكمة المسؤولين، وعاد من يملك السيطرة على "الفوسفات" بالأغلبية نفسها في مجلس الإدارة. وخلال الأيام المقبلة قد نشهد اعتصامات وإضرابات المزارعين إذا لم يتم التراجع عن رفع سعر سماد الفوسفات بنسبة 20 %. ليست المالية العامة في وضعها البائس، ولا الشركات الكبرى، في ظروف تسمح بتلبية المطالب القادمة من كل حدب وصوب. لكن هذه الحكومة ليست مؤهلة للتعامل مع الغليان المطلبي في المجتمع، ولم يصدف أن كانت إدارة القرار أكثر ضيقا وانغلاقا مما هي عليه الآن. لا أعتقد أن الحكومة التي قامت بتعيينات فاقعة وفاضحة في تجاوزها على كل الأصول، تملك السلطة المعنوية والأخلاقية للتعامل مع الانفجارات المطلبية الجديدة والقادمة.
jamil.nimri@alghad.jo
الغد
والشيء الخطير في كل هذا هو تحطم النظام الاجتماعي، ووقوع البلد في الفوضى. ولو وقعت عشرة اعتصامات مطلبية في آن معا على غرار اعتصام موظفي "الفوسفات" أمام الشارع العام، لأصبح مستحيلا تلبية متطلبات حفظ الأمن. وقد لاحظت حجم الحشد الأمني المطلوب لضمان بقاء الشوارع الحيوية مفتوحة، وعدم حصول فوضى وشغب، أكان داخل الشركة أو خارجها. وبالتأكيد أنه يتم سحب هؤلاء من توزيعهم الأمني اليومي والعادي. وتستطيع إدارة الشركة الاعتماد على هذا الحشد للاستمرار في تجاهلها للمعتصمين، لكن ماذا لو كانت هناك عشرات الاعتصامات المماثلة والمتصلة هنا وهناك، داخل العاصمة وفي المحافظات؟!
أخشى أن الدولة ستدفع من باب آخر ثمن التنكر للإصلاح الشامل ومكافحة الفساد. فلو كانت هناك محاسبة صارمة على نهب مال "الفوسفات" في الخصخصة وما بعد الخصخصة، ووضعت الأمور في نصاب صحيح يعيد ملكية الشعب للشعب، لأمكن مواجهة الاعتصامات المطلبية بعين قوية، وسلطة أخلاقية كاملة. لكن مجلس نوابنا العتيد منع محاكمة المسؤولين، وعاد من يملك السيطرة على "الفوسفات" بالأغلبية نفسها في مجلس الإدارة. وخلال الأيام المقبلة قد نشهد اعتصامات وإضرابات المزارعين إذا لم يتم التراجع عن رفع سعر سماد الفوسفات بنسبة 20 %. ليست المالية العامة في وضعها البائس، ولا الشركات الكبرى، في ظروف تسمح بتلبية المطالب القادمة من كل حدب وصوب. لكن هذه الحكومة ليست مؤهلة للتعامل مع الغليان المطلبي في المجتمع، ولم يصدف أن كانت إدارة القرار أكثر ضيقا وانغلاقا مما هي عليه الآن. لا أعتقد أن الحكومة التي قامت بتعيينات فاقعة وفاضحة في تجاوزها على كل الأصول، تملك السلطة المعنوية والأخلاقية للتعامل مع الانفجارات المطلبية الجديدة والقادمة.
jamil.nimri@alghad.jo
الغد