شرعنة الاستبداد
عمر ابو رصاع
جو 24 : شرعية أي نظام سياسي تتطلب أن يكون محلاً للتوافق الوطني وهو الأمر المفقود في حالتنا، وإذا كان النظام يعتبر أن تسجيله لاكثر من مليوني مواطن للانتخابات هو بمثابة استفتاء على شرعيته، فهذا معناه أن من لم يسجل لا يعترف بتلك الشرعية، وهذه تعد بمقياس أي نظام كارثة بكل معنى الكلمة.
النظام لم يوفر في معركته تلك أي وسيلة لاجبار الناس على التسجيل، ولعل الأرقام الحقيقية والواقعية والتي تعكس المزاج العام على حقيقته، هي التي كانت قبل اعلان النظام الحرب لرفع النسبة، أي قبل حملته التجيشية والارعابية هو ومن لف لفيفه.
اعتمد النظام في تلك الحملة على أساليب لا تنتمي لأصول وآداب العمل السياسي الديمقراطي، فما دام يريدها استفتاء على شرعيته، فقد كان الأولى به أن يقبل بتكافؤ الفرص مع خصمه، لا أن يحتكر ويوظف كل اجهزة الدولة وسائر مقوماتها ضد خصومه السياسيين العزل فيما هو مدجج بأسلحته جميعاً ثم يعلن أنه انتصر عليهم.
النظام يملك كل الأدوات الاعلامية تقريباً بل وعمل اثناء فترة التسجيل على افقاد الحراك الشعبي والاخوان واليساريين كل المنابر التي كانوا يستخدمونها أو يطلون من خلالها على الناس، فكان اغلاق قناة جوسات الفضائية أهم نوافذ الحراك الشعبي واوسعها انتشاراً، ذلك الاغلاق الذي ارتبط بقرار عقل النظام الأمني لافقاد مقاطعي التسجيل فرص ايصال وجهة نظرهم، فما ان انتهت لعبة النظام التسجيلية حتى عادت المحطة، واستهلت ارسالها باعلانها ممثلة بقيادتها الرسمية أنها مع التسجيل ومع الانتخاب.
كذلك ضربت الصحف الالكترونية ثاني أهم معاقل الحراكيين بقانون المطبوعات والنشر، والذي سبق بحملة منظمة بدأ بالاعتداء البدني والارعاب وقطع التمويل، مروراً بالحبس، انتهاءً بقانون المطبوعات القضاء عليها تماماً، فاشغلت به وتراجع دورها كمنبر سياسي للحراك.
وربما لم يبق للحراكيين بعد الشارع الذي تم تلغيمه هو الآخر إلا مواقع التواصل الاجتماعية، الحصن الذي لم يستطع النظام التأثير عليه رغم جيشه الالكتروني الموظف لهذا الغرض، وذلك من جهة لأنه محمي دولياً ولا سلطة مباشرة للنظام عليه، ومن جهة اخرى طبعاً للفارق الهائل في مستوى الفكر والصدق ودرجة الايمان والحماس وعدالة القضية بين الحراكيين وجيش النظام الالكتروني.
مقابل ذلك يصطف طابور الصحف والاذاعات، والفضائيات ومنها التلفزيون الأردني، والمنابر، والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية، خلف سياسة التحشيد للتسجيل والدعوة له، هذا فضلاً عن أكثر من ألف ممن ينتون ترشيح انفسهم واغلبهم بطبيعة الحال إما جاء من خلفية جهوية أو عشائرية بحثاً عن تمثيل في هذا الاطار، أو نموذج لنواب الخدمات والمصالح، أو من أزلام الفساد والفاسدين، والانتهازيين السياسيين، وازلام النظام التقليديين المستعدين لبيع مواقفهم كيفما اتفق، وبعض المغامرين الأفراد ممن يحذوهم الأمل والطموح الشخصي في دخول القبة بعيداً عن السياسة وأهلها على أساس أن المجلس للوجاهات والمقاعد للبيع بالمزاد.
يضاف لتلك الادوات ايضاً أموال الدولة التي يستعملها النظام هنا في معركته دون حسيب أو رقيب، بل وحتى الدعاية في الشوارع وعبر شبكات الهاتف فلم يتركوا شارعاً ولا ميداناً ولا لاعباً ولا فناناً إلا وظفوه.
ومع كل هذا وبرغمه أيضاً لم تفلح أدوات النظام في ايصاله للرقم المطلوب فكان اللجوء إلى الارعاب المباشر، كغزو المؤسسات بجيش من المسجِّلين لاحراج الموظفين واجبارهم في المؤسسات العامة وفي البنوك والمستشفيات على التسجيل، ثم ارعاب الشعب كله عبر بث الشائعات من عينة "الحكومة ستربط الدعم بالبطاقة الانتخابية"، "من لا يسجل سيسحبون رقمه الوطني"، ثم تكون الكوميديا بالاعلان "بطاقتك قد استخرجت دون رغبتك فبإمكانك أن تأتي لإلغائها"، بعد انتشار الاخبار عن اكتشاف الكثيرين بأن بطاقاتهم استخرجت دون علمهم.
طبعاً في ظل هذه المعادلة غير المتكافئة والتي لا يحكمها شرف وأخلاق التنافس السياسي، وهذه من طباع النظم المستبدة، لا تقبل تلك المؤشرات دليلاً على أي شيء، فلو قبلنا جدلاً أن أكثر من نصف المواطنين قد سجلوا فعلاً، فإن هذا لا يعني بحال موافقتهم على القانون وشرعية العملية وطريقة ادارتها، وعادة في هذه الدول تتحقق نسب تسجيل وانتخاب مرتفعة، بالتزوير أو بغيره، والملفت أن كل تلك الانظمة المستبدة التي تكتسح الانتخابات، ما ان تفقد قدراتها الاستبدادية في توظيف اجهزة الدولة وأموالها وسطوتها، وتجري في البلاد انتخابات حقيقية وتتكافأ الفرص، حتى ينكشف أن ما يريده الناس وبالاغلبية الساحقة كان في حقيقة الأمر على نقيض النتائج التي كان يعلنها النظام.
التسجيل بحد ذاته ليس معركة، والأصل أن كل مواطن له حق التصويت دون بطاقة انتخابية وبالهوية الشخصية والمشكلة لم تكن هنا أبداً، فالانتخابات تكون شرعية بمن حضر عندما يكون هناك توافق وطني عليها وعلى قانونها ونظامها وطريقة اجرائها، وغير شرعية مهما حضر عندما لا يكون الأمر كذلك.
قبل كل هذا وبعده، الانتخابات هي الآلية الديمقراطية التي تحتكم عبرها الاطراف السياسية المختلفة إلى الشعب ليفصل بينها ويحدد خياره، وليست وسيلة نظام مستبد لاستعراض عضلاته على من يقاومون استبداده، أو وسيلة لشرعنة ما ليس شرعي من الأساس.
النظام لم يوفر في معركته تلك أي وسيلة لاجبار الناس على التسجيل، ولعل الأرقام الحقيقية والواقعية والتي تعكس المزاج العام على حقيقته، هي التي كانت قبل اعلان النظام الحرب لرفع النسبة، أي قبل حملته التجيشية والارعابية هو ومن لف لفيفه.
اعتمد النظام في تلك الحملة على أساليب لا تنتمي لأصول وآداب العمل السياسي الديمقراطي، فما دام يريدها استفتاء على شرعيته، فقد كان الأولى به أن يقبل بتكافؤ الفرص مع خصمه، لا أن يحتكر ويوظف كل اجهزة الدولة وسائر مقوماتها ضد خصومه السياسيين العزل فيما هو مدجج بأسلحته جميعاً ثم يعلن أنه انتصر عليهم.
النظام يملك كل الأدوات الاعلامية تقريباً بل وعمل اثناء فترة التسجيل على افقاد الحراك الشعبي والاخوان واليساريين كل المنابر التي كانوا يستخدمونها أو يطلون من خلالها على الناس، فكان اغلاق قناة جوسات الفضائية أهم نوافذ الحراك الشعبي واوسعها انتشاراً، ذلك الاغلاق الذي ارتبط بقرار عقل النظام الأمني لافقاد مقاطعي التسجيل فرص ايصال وجهة نظرهم، فما ان انتهت لعبة النظام التسجيلية حتى عادت المحطة، واستهلت ارسالها باعلانها ممثلة بقيادتها الرسمية أنها مع التسجيل ومع الانتخاب.
كذلك ضربت الصحف الالكترونية ثاني أهم معاقل الحراكيين بقانون المطبوعات والنشر، والذي سبق بحملة منظمة بدأ بالاعتداء البدني والارعاب وقطع التمويل، مروراً بالحبس، انتهاءً بقانون المطبوعات القضاء عليها تماماً، فاشغلت به وتراجع دورها كمنبر سياسي للحراك.
وربما لم يبق للحراكيين بعد الشارع الذي تم تلغيمه هو الآخر إلا مواقع التواصل الاجتماعية، الحصن الذي لم يستطع النظام التأثير عليه رغم جيشه الالكتروني الموظف لهذا الغرض، وذلك من جهة لأنه محمي دولياً ولا سلطة مباشرة للنظام عليه، ومن جهة اخرى طبعاً للفارق الهائل في مستوى الفكر والصدق ودرجة الايمان والحماس وعدالة القضية بين الحراكيين وجيش النظام الالكتروني.
مقابل ذلك يصطف طابور الصحف والاذاعات، والفضائيات ومنها التلفزيون الأردني، والمنابر، والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية، خلف سياسة التحشيد للتسجيل والدعوة له، هذا فضلاً عن أكثر من ألف ممن ينتون ترشيح انفسهم واغلبهم بطبيعة الحال إما جاء من خلفية جهوية أو عشائرية بحثاً عن تمثيل في هذا الاطار، أو نموذج لنواب الخدمات والمصالح، أو من أزلام الفساد والفاسدين، والانتهازيين السياسيين، وازلام النظام التقليديين المستعدين لبيع مواقفهم كيفما اتفق، وبعض المغامرين الأفراد ممن يحذوهم الأمل والطموح الشخصي في دخول القبة بعيداً عن السياسة وأهلها على أساس أن المجلس للوجاهات والمقاعد للبيع بالمزاد.
يضاف لتلك الادوات ايضاً أموال الدولة التي يستعملها النظام هنا في معركته دون حسيب أو رقيب، بل وحتى الدعاية في الشوارع وعبر شبكات الهاتف فلم يتركوا شارعاً ولا ميداناً ولا لاعباً ولا فناناً إلا وظفوه.
ومع كل هذا وبرغمه أيضاً لم تفلح أدوات النظام في ايصاله للرقم المطلوب فكان اللجوء إلى الارعاب المباشر، كغزو المؤسسات بجيش من المسجِّلين لاحراج الموظفين واجبارهم في المؤسسات العامة وفي البنوك والمستشفيات على التسجيل، ثم ارعاب الشعب كله عبر بث الشائعات من عينة "الحكومة ستربط الدعم بالبطاقة الانتخابية"، "من لا يسجل سيسحبون رقمه الوطني"، ثم تكون الكوميديا بالاعلان "بطاقتك قد استخرجت دون رغبتك فبإمكانك أن تأتي لإلغائها"، بعد انتشار الاخبار عن اكتشاف الكثيرين بأن بطاقاتهم استخرجت دون علمهم.
طبعاً في ظل هذه المعادلة غير المتكافئة والتي لا يحكمها شرف وأخلاق التنافس السياسي، وهذه من طباع النظم المستبدة، لا تقبل تلك المؤشرات دليلاً على أي شيء، فلو قبلنا جدلاً أن أكثر من نصف المواطنين قد سجلوا فعلاً، فإن هذا لا يعني بحال موافقتهم على القانون وشرعية العملية وطريقة ادارتها، وعادة في هذه الدول تتحقق نسب تسجيل وانتخاب مرتفعة، بالتزوير أو بغيره، والملفت أن كل تلك الانظمة المستبدة التي تكتسح الانتخابات، ما ان تفقد قدراتها الاستبدادية في توظيف اجهزة الدولة وأموالها وسطوتها، وتجري في البلاد انتخابات حقيقية وتتكافأ الفرص، حتى ينكشف أن ما يريده الناس وبالاغلبية الساحقة كان في حقيقة الأمر على نقيض النتائج التي كان يعلنها النظام.
التسجيل بحد ذاته ليس معركة، والأصل أن كل مواطن له حق التصويت دون بطاقة انتخابية وبالهوية الشخصية والمشكلة لم تكن هنا أبداً، فالانتخابات تكون شرعية بمن حضر عندما يكون هناك توافق وطني عليها وعلى قانونها ونظامها وطريقة اجرائها، وغير شرعية مهما حضر عندما لا يكون الأمر كذلك.
قبل كل هذا وبعده، الانتخابات هي الآلية الديمقراطية التي تحتكم عبرها الاطراف السياسية المختلفة إلى الشعب ليفصل بينها ويحدد خياره، وليست وسيلة نظام مستبد لاستعراض عضلاته على من يقاومون استبداده، أو وسيلة لشرعنة ما ليس شرعي من الأساس.