jo24_banner
jo24_banner

الشعور الوطني والحَراك الشعبي

عمر ابو رصاع
جو 24 : تصر السيدة الأولى في الأردن (توجان فيصل بدون منازع) على أن تستفز مداد قلمي ونقرات أصابعي فوق لوحة مفاتيح حاسوبي، ولأنها تعرف كيف تفعل ذلك أرسلت لي مقالاً لأحد الذين احترفوا جلد الذات الأردنية، وترويع من تسول له نفسه أن يستنهض همتها ويعلي من شأنها كهوية وطنية، هكذا صيّر صاحبنا في مقالته الحَراك الشعبي الأردني قاصراً، فهو على حد زعمه مغرق في ما يراه تعصباً أردنياً!

ولست أرى في أن تمثَّل الهوية الوطنية الأردنية رعباً ودلالة عنصرية مقيتة في نظر هؤلاء وخطابهم، إلا أن يكونوا قد وقعوا فريسة الهوية كما صاغها وارادها الاستبداد، فإما أنهم استجابوا لاستقطاباته المتضادة، وإما أنهم استسلموا بأن سلموا سلباً بها ولها.

الأمر الذي طالما أثار وَرَع الوطنية الأردنية من أن تفخر بذاتها، وكأنها العار الذي يكلِّل اهله فيكون لزاماً عليها وتلك حالها، أن تبرأ من احساسها بالذات لتثبت لهؤلاء أنها الأخت العربية، كيف لا وقد روّعها ذلك الخطاب عقوداً من أن تلتمس ذاتها الوطنية وتستنهض مقوماتها التاريخية، في عين الوقت الذي يدعو الكلُّ للكلِّ أن يفعل، فكأني بقول الشاعر يريد من يروِّع عن الماء حتى يصيبه منفرداً:
عن الماء لا يُطْرَقْ، وَهُنَّ طَوارِقُهْ وقال الذي يَرْجُو العُلالةَ: وَرِّعـوا

ومن لطائف المسألة أني كنت قد التقيت الكاتب عينه قبيل انطلاق شرارة الربيع العربي، وكان حوار دعوته من خلاله إلى المشاركة في "جمعية المواطنة والفكر المدني"، أنطلقت في طرحي آن ذاك من فكرة مفادها أن عناصر الثورة في عالمنا العربي قد اختمرت، وأنها قاب قوسين أو ادنى من أن تهز عروش الاستبداد، وأننا في الأردن بحاجة ماسة إلى اعادة تأسيس أنفسنا ورؤيتنا، وإلى المشاركة الفاعلة في ذلك الحَراك العربي بأن نتصدى للعوار المزمن الذي احترف الاستبداد في بلادنا تكريسه، وأن المواطنة والفكر المدني هي حبل العِصَام الذي من شأنه أن يشد أزر التغيير.

فإذ بصاحبنا يهزء من رؤيتي تلك، ويرفض النظر إلى حيث تطأ قدماه، فيمد البصر منشغلاً في انتفاضة العمال في اليونان آن ذاك، ويحاول أن يشدني إلى ما يراه منظاراً عالمياً للنضال!

فما كان مني إلا أن قفلت راجعاً عنه، وفي النفس سؤال: أكان لذلك العامل المنتفض في اليونان أن يفعل لو كان يفكر مثل صاحبنا الأممي؟!

وليس العيب في أن تعتبر الحركة الوطنية بقضايا الأمة بل والأمم والشعوب كافة، وأن تستلهم منها في حركتها، وتعضدها إن استطاعت إلى ذلك سبيلا، ولكن العيب كل العيب في أن تنسى أنها حركة وطنية من قبل ومن بعد، وأن تغدو بلا مشروع فتضحي وهي تنظر لهذا وذاك وتنفعل بهذا وذاك على هامش ذلك كله، ملقاة على قارعة طريق الإنسانية تنتظر مشروعاً ما، يحملها على اجنحته.

بهذا قبل غيره عُضِلَ المشروع الوطني الأردني، واشتغل الاستبداد عقوداً صادر فيها الذات الوطنية الأردنية واحتبسها، وغيّبها في قاع جب عميق، وحل محلها واختزلها بذاته، وقدمها على أنها لا شيء.... إلّاهُ. بتلك القزمية العجيبة يصبح الشعور الوطني ضد نفسه وعدوها.

يوشك المرء أن يؤخذ بحجم الزيف الذي وظّف على ضفتي الأردن لإلغاء الهوية الوطنية لإنسانه، واجتثاث جذور أناه، فيصير الأردن سكيناً لا شريان حياة، لم تشهد البشرية جمعاء زيفاً كهذا، زيف يصير به القاتل مقتوله، ولكن لأن الزيف لا يبني إلا صروحاً من وهم، فإنه ومع أول ضربات قلب الوطنية الأردنية بعد البعث الحَراكي، مع النبضات الأولى يشتعل الوعي الحق بتلك الذات، وأول من يلقيه خارجها هو تماماً ذلك الغاصب فيعرّيه ويصوغه الوعي الجمعي في لحظة وطنية عارمة عدواً ملتحماً بعدو الأمة جمعاء.

وَلَكم اجتاحني شعور بالفخار، وأنا استمع لأحد فتية الحراك الشعبي بعيد اعتصام الرابع والعشرين من آذار وهو يقول: "لأول مرة أفتخر بكوني أردنياً"
من له أن يلوم الفتى؟!
بل إياك باللوم أعني أيها القابع في خنادقه الأممية والقومية، أيها العابر للقارات، ترقص على أنغام ثورة اكتوبر وتحصد الذرة مع فلاح كوبا، وتهزك هتافات عمال اليونان، ثم لا يضيرك إن أفل نجم موسيقاك أن تطرب للنقر على دف الخميني وتبرر ولايته الفقهية بل وحتى وحشية آل الأسد، ما دامت أمميتك الحقة لا ترى إلا بعين واحدة، ترصد الصاروخ فتعشق مصدره!

أياك أعني وألوم، فأنت شريك الطغاة بعجزك وصمتك وانتهازيتك، فليس يضير الاستبداد شروى نقير أن تفتح شمسيتك إن امطرت في موسكو، وأن تتظاهر لكل شاردة وواردة ما دمت تقبل منه أن يسرق شيء عزيزاً ويغتصبه علانيةً، هو الرافعة الحقة للحرية والتحرير، إنه الوطنية الأردنية.

النظر الأعور دائماً، هو الذي يمنعك من أن ترى في الحَراك الشعبي إلا غمرة شعوره بذاته وفخاره بنفسه، فيما تعجز عن قراءة ابعاد تحرره من احابيل من ربَقَهُ وحَيّدَهُ عن جادة الصراع، صراعه من أجل ذاته ومن أجل امته بل والانسانية جمعاء، ألست تقبل من الاستبداد في أمسك ويومك أن يُصيّر الوطنية والانتماء الأردني مشروعاً قزماً لأداة قمع وفساد في قبضة الصهاينة؟!

في طفيلة الحراك طفيلة العز والفخار دخل نفر من رفاقنا الحَراكيين اجتماعاً في بيت نشمي أردني أغر مع بعض أهلها، فقام الفارس العربي الأردني مرحباً بضيوف الطفيلة ثم قال: "أنا لا شأن لي في ما أنتم بصدده ولكني كأردني أقول لكم فلسطين عربية من البحر إلى النهر، وامضوا على بركة الله فيما جئتم من أجله"
هكذا يرى "الحَراك" الوطنية الأردنية الحقة، النقيض الجذري للصهيونية حتماً وبالضرورة، والرافعة الحقيقية للعروبة والوحدة يعمل من أجلها كما عمل بسمارك من أجل وحدة ألمانيا انطلاقاً من البقعة التي ينتمي إليها ويقف عليها.

هذا الحَراك يعيش في وجدانه قول الشاعر سعيد عقل في الأردن:
كتبت على الدنيا البطولة مشتهاً وعليك ديناً لا يخان ومذهبا
الوطنية الأردنية الحقة هي التي يعيشها الحَراك الشعبي اليوم، الحَراك الذي جعل من كلمات نشيد "موطني" التي خطها ابراهيم طوقان ولحنها الاخوين فليفل، طوق فخاره وتعبيره عن عزته وكرامته، الحَراك الذي يهتز لاحساسه بعروبته، ويطالب بحقوق المواطنة لكل الأردنيين وبالمساواة والعدالة، وبأسس الدستور المدني الديمقراطي، وبالنهج الاقتصادي والوطني المقاوم لكل أسباب التبعية ومسبباتها، هو الذي يختصم الصهوينية ما دام هو هو، وما دامت هي هي، الأردن في هذه البقعة منه شرقٌ عربيٌ، هكذا أراده أهله وبهذا عرفهم وعرفوه.

الطريق طويل والحلم صعب لكنه ليس مستحيلاً أبدا، قولاً واحداً حرية الأردن هي البداية الحقة للوحدة والتقدم والنهاية المؤكدة للمشروع الصهيوني.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير