سعر صرف الدينار ورفع الدعم
عمر ابو رصاع
جو 24 : سبق وبينا في أكثر من مقال وفي عدة لقاءات، أنه ما من علاقة مباشرة ذات بال بين رفع الدعم وسعر الصرف، فوجود عجز في الميزانية ليس مبرراً لرفع الدعم، ويمكن تغطيته بأدوات الدين الداخلي أي يمكن للحكومة ان تستدين بالدينار الأردني من داخل السوق الأردني، إذن لماذا تريد الحكومة أن ترفع الدعم؟ الاجابة هي حتى تتمكن من أن تستدين من الخارج وتغطي الدينار.
وحتى لا يكون كلامنا معقداً وكيما نجعله في ابسط صوره، نقول ما يلي:
المشكلة التي تسبب ضغطاً وخطورة على سعر صرف الدينار هي مشكلة عجز ميزان المدفوعات، فما هو ميزان المدفوعات؟
ميزان المدفوعات بابسط فهم ممكن هو عبارة عن الميزان الذي يشتمل على بيان كل دولار يدخل إلى البلد وكل دولار يخرج منها، وعجزه أو فائضه يمثل الفرق بين ما يدخل للبلد من دولارات وما يخرج منها بالمقابل، وفي الأردن بلغ عجز ميزان المدفوعات العام الماضي 4.5 مليار دولار (قبل المنحة السعودية البالغة 1.5 مليار دولار)
ولكن ما الذي يعنيه هذا العجز وكيف يضغط على سعر الصرف؟
سعر صرف أي عملة يعتمد على العرض والطلب من هذه العملة، فإذا كانت الحكومة في بلد ما ملتزمة بتثبيت السعر مقابل الدولار، فمعنى هذا أنها ملتزمة بالحفاظ على نقطة التوازن بين العرض والطلب على الدولار، فإذا كانت كمية الدولارات المتاحة أكثر من المطلوبة تقوم الحكومة بشرائها مقابل دنانير، وهذا يؤدي لازدياد احتياطيات البنك المركزي، والعكس إذا كانت كمية الدولارات المطلوبة أكبر من المعروضة للبيع في السوق يقوم البنك المركزي بشراء الدنانير بالدولارات حتى يحافظ على التوازن بين العرض والطلب وفي هذه الحالة يقل احتياطي البنك المركزي.
إذن البنك المركزي هنا يقوم بوظيفة الحفاظ على التوازن بين العرض والطلب على الدولار مقابل الدينار، ومعنى أن يكون هناك عجز في ميزان المدفوعات أن ما هو مطلوب من الدولارات مقابل دنانير اردنية هو أكبر من حجم تدفقات الدولار على السوق المحلي، يعني مثلا وكمثال مبسط لشرح المسألة لو فرضنا أن الاقتصاد دخله كأثمان لصادراتنا المحلية وخدماتنا وسياحتنا وتحويلات العاملين من ابنائنا في الخارج ....الخ مبلغ 10 مليار دولار وخرج منه في المقابل اثمان للسلع المستودة والخدمات الخارجية والسياحة الخارجية وتحويلات للعاملين لدينا من الخارج ...الخ مبلغ 12 مليار دولار، فهذا معناه أن هناك عجز في ميزان مدفوعاتنا مقداره 2 مليار دولار، فلو فرضنا أن المركزي لم يتدخل فهذا معناه أن سعر صرف الدولار سيرتفع لأن المطلوب من الدولارات اكبر من حجم المعروض منها، فإذا ارادت الحكومة الحفاظ على سعر صرف الدولار، فإن عليها أن تضخ من احتياطي الدولار لدى بنكها المركزي بمقدار الفرق وهو هنا 2 مليار.
الواقع في الاردن أن العجز كما ذكرنا سيفوق هذا العام 4 مليار دولار، والمركزي احتياطيه قرابة 6 مليار، اي ان المركزي اذا استمرت حالة ميزان المدفوعات على ما هي عليه لن يقدر على تعويض الفجوة بين عرض الدولار والطلب عليه لأكثر من سنة ونصف السنة، فما العمل؟
هنا الحكومة وفق طريقة عملها المزمنة في الاردن ليس لديها إلا احد سبيلين إما الحصول على مساعدات خارجية كما حصل العام الماضي جزئيا في المنحة السعودية، أو الحصول على قروض البنك والصندوق الدولي، وهذا الاخير يشترط ما يسميه بالاصلاحات الهيكلية، وهي وصفة هذا البنك المعروفة، كلما طلبت قروض طالبوك باصلاحات هيكلية تتعلق بسياسات الدعم وضغط الانفاق العام، ولهذا تماما تتجه حكومتنا لرفع الدعم.
هنا يبرز لنا سؤالان، الأول: هل تعالج هذه الطرق المشكلة؟ والثاني: أليس هناك طرق أخرى؟
أما الأول فإجابته: لا، لأن هذه الطرق تؤجل المشكلة ولكنها تزيدها تعقيداً، فالمزيد من الدين يعني المزيد من خدمة الدين التي على الدولة دفعها، والعطايا على صعوبتها وندرتها تأتي هنا في نفس السياق وفي الغالب لها اثمان سياسية، ولا تستخدم في استحداث تنمية.
وأما الثاني فإجابته: نعم، هناك طريقة اقتصادية جادة، هي اتباع رزم من السياسات الاقتصادية التي من شأنها معالجة عجز ميزان المدفوعات نفسه، وعلى رأسها سياسات الانتاج الاحلالي، ونعني بالانتاج الاحلالي استبدال السلع المستوردة بسلع منتجة محلياً، وبالنسبة للأردن تصلح هذه السياسة بشكل خاص في قطاع الطاقة وتحديداً في الاعتماد على الطاقة البديلة والصخر الزيتي والطاقة النووية.
كذلك سياسة الحد من نمو الاستهلاك بتغيير انماطه، وبشكل خاص عن طريق بناء قاعدة فعالة وصالحة للنقل العام.
هذا فيما يتعلق بشق الدفع، أما شق التحصيل فيتطلب كذلك سياسات تشجع الانتاج التصديري، والسياحة والخدمات التي من شأنها زيادة ايرادات البلاد من الدولارات وسائر العملات الاجنبية، وهذا يتطلب بدوره رؤية اقتصادية متكاملة والعمل على الحد من تكاليف الانتاج، وسياسات ضريبية تتوافق مع هذا الاتجاه...الخ
الحقيقة الاسلوب الأول والسهل الاجرائي الذي ادمنته حكومات الاستبداد الحاكم في بلدنا، ليست فقط فاشلة في علاج المشكلة ولا تعمل إلا على تأجيلها ومفاقمتها، بل هي كذلك وهو الأهم تجعل انجاح الحلول التي ذكرنا أمراً أكثر صعوبة وتزيد من حدة المشكلة أكثر فأكثر، فهي مثلاً تؤدي لارتفاع التكاليف المعيشية والانتاجية، وهكذا تؤدي لتراجع الانتاج والجاذبية الاستثمارية وبالتالي الصادرات السلعية والخدمية وقدرتها على المنافسه، وعلى العكس تزيد قدرة الانتاج الخارجي على منافسة المحلي والقضاء عليه، هكذا يقتل الانتاج المحلي ويكاد يتلاشى يكفي ان نعلم ان عجز ميزاننا التجاري (الفرق بين ثمن الصادرات السلعية والواردات السلعية) بلغ زهاء 11 مليار.
وحتى لا يكون كلامنا معقداً وكيما نجعله في ابسط صوره، نقول ما يلي:
المشكلة التي تسبب ضغطاً وخطورة على سعر صرف الدينار هي مشكلة عجز ميزان المدفوعات، فما هو ميزان المدفوعات؟
ميزان المدفوعات بابسط فهم ممكن هو عبارة عن الميزان الذي يشتمل على بيان كل دولار يدخل إلى البلد وكل دولار يخرج منها، وعجزه أو فائضه يمثل الفرق بين ما يدخل للبلد من دولارات وما يخرج منها بالمقابل، وفي الأردن بلغ عجز ميزان المدفوعات العام الماضي 4.5 مليار دولار (قبل المنحة السعودية البالغة 1.5 مليار دولار)
ولكن ما الذي يعنيه هذا العجز وكيف يضغط على سعر الصرف؟
سعر صرف أي عملة يعتمد على العرض والطلب من هذه العملة، فإذا كانت الحكومة في بلد ما ملتزمة بتثبيت السعر مقابل الدولار، فمعنى هذا أنها ملتزمة بالحفاظ على نقطة التوازن بين العرض والطلب على الدولار، فإذا كانت كمية الدولارات المتاحة أكثر من المطلوبة تقوم الحكومة بشرائها مقابل دنانير، وهذا يؤدي لازدياد احتياطيات البنك المركزي، والعكس إذا كانت كمية الدولارات المطلوبة أكبر من المعروضة للبيع في السوق يقوم البنك المركزي بشراء الدنانير بالدولارات حتى يحافظ على التوازن بين العرض والطلب وفي هذه الحالة يقل احتياطي البنك المركزي.
إذن البنك المركزي هنا يقوم بوظيفة الحفاظ على التوازن بين العرض والطلب على الدولار مقابل الدينار، ومعنى أن يكون هناك عجز في ميزان المدفوعات أن ما هو مطلوب من الدولارات مقابل دنانير اردنية هو أكبر من حجم تدفقات الدولار على السوق المحلي، يعني مثلا وكمثال مبسط لشرح المسألة لو فرضنا أن الاقتصاد دخله كأثمان لصادراتنا المحلية وخدماتنا وسياحتنا وتحويلات العاملين من ابنائنا في الخارج ....الخ مبلغ 10 مليار دولار وخرج منه في المقابل اثمان للسلع المستودة والخدمات الخارجية والسياحة الخارجية وتحويلات للعاملين لدينا من الخارج ...الخ مبلغ 12 مليار دولار، فهذا معناه أن هناك عجز في ميزان مدفوعاتنا مقداره 2 مليار دولار، فلو فرضنا أن المركزي لم يتدخل فهذا معناه أن سعر صرف الدولار سيرتفع لأن المطلوب من الدولارات اكبر من حجم المعروض منها، فإذا ارادت الحكومة الحفاظ على سعر صرف الدولار، فإن عليها أن تضخ من احتياطي الدولار لدى بنكها المركزي بمقدار الفرق وهو هنا 2 مليار.
الواقع في الاردن أن العجز كما ذكرنا سيفوق هذا العام 4 مليار دولار، والمركزي احتياطيه قرابة 6 مليار، اي ان المركزي اذا استمرت حالة ميزان المدفوعات على ما هي عليه لن يقدر على تعويض الفجوة بين عرض الدولار والطلب عليه لأكثر من سنة ونصف السنة، فما العمل؟
هنا الحكومة وفق طريقة عملها المزمنة في الاردن ليس لديها إلا احد سبيلين إما الحصول على مساعدات خارجية كما حصل العام الماضي جزئيا في المنحة السعودية، أو الحصول على قروض البنك والصندوق الدولي، وهذا الاخير يشترط ما يسميه بالاصلاحات الهيكلية، وهي وصفة هذا البنك المعروفة، كلما طلبت قروض طالبوك باصلاحات هيكلية تتعلق بسياسات الدعم وضغط الانفاق العام، ولهذا تماما تتجه حكومتنا لرفع الدعم.
هنا يبرز لنا سؤالان، الأول: هل تعالج هذه الطرق المشكلة؟ والثاني: أليس هناك طرق أخرى؟
أما الأول فإجابته: لا، لأن هذه الطرق تؤجل المشكلة ولكنها تزيدها تعقيداً، فالمزيد من الدين يعني المزيد من خدمة الدين التي على الدولة دفعها، والعطايا على صعوبتها وندرتها تأتي هنا في نفس السياق وفي الغالب لها اثمان سياسية، ولا تستخدم في استحداث تنمية.
وأما الثاني فإجابته: نعم، هناك طريقة اقتصادية جادة، هي اتباع رزم من السياسات الاقتصادية التي من شأنها معالجة عجز ميزان المدفوعات نفسه، وعلى رأسها سياسات الانتاج الاحلالي، ونعني بالانتاج الاحلالي استبدال السلع المستوردة بسلع منتجة محلياً، وبالنسبة للأردن تصلح هذه السياسة بشكل خاص في قطاع الطاقة وتحديداً في الاعتماد على الطاقة البديلة والصخر الزيتي والطاقة النووية.
كذلك سياسة الحد من نمو الاستهلاك بتغيير انماطه، وبشكل خاص عن طريق بناء قاعدة فعالة وصالحة للنقل العام.
هذا فيما يتعلق بشق الدفع، أما شق التحصيل فيتطلب كذلك سياسات تشجع الانتاج التصديري، والسياحة والخدمات التي من شأنها زيادة ايرادات البلاد من الدولارات وسائر العملات الاجنبية، وهذا يتطلب بدوره رؤية اقتصادية متكاملة والعمل على الحد من تكاليف الانتاج، وسياسات ضريبية تتوافق مع هذا الاتجاه...الخ
الحقيقة الاسلوب الأول والسهل الاجرائي الذي ادمنته حكومات الاستبداد الحاكم في بلدنا، ليست فقط فاشلة في علاج المشكلة ولا تعمل إلا على تأجيلها ومفاقمتها، بل هي كذلك وهو الأهم تجعل انجاح الحلول التي ذكرنا أمراً أكثر صعوبة وتزيد من حدة المشكلة أكثر فأكثر، فهي مثلاً تؤدي لارتفاع التكاليف المعيشية والانتاجية، وهكذا تؤدي لتراجع الانتاج والجاذبية الاستثمارية وبالتالي الصادرات السلعية والخدمية وقدرتها على المنافسه، وعلى العكس تزيد قدرة الانتاج الخارجي على منافسة المحلي والقضاء عليه، هكذا يقتل الانتاج المحلي ويكاد يتلاشى يكفي ان نعلم ان عجز ميزاننا التجاري (الفرق بين ثمن الصادرات السلعية والواردات السلعية) بلغ زهاء 11 مليار.