jo24_banner
jo24_banner

الغاز المصري واكاذيب الاستبداد

عمر ابو رصاع
جو 24 :

اتفاقية توريد الغاز المصري للاردن حسب التصريحات الحكومية تنص على أن سعر المليون وحدة حرارية بريطانية إذا زاد سعر خام برنت عن 31 $/برميل هو 2.15 دولاراً، والمليون وحدة حرارية بريطانية تعادل 26.4 مترا مكعبا من الغاز، فإذا كانت الاتفاقية تنص على تزويد الاردن بنحو 2.4 مليار متر مكعب سنوياً (تقريباً 91 مليون وحدة حرارية بريطانية) تكون فاتورة الأردن اذا ما التزمت مصر بتوريد كامل الكمية قرابة 195 مليون دولاراً.
فماذا لو فرضنا ان الاردن دفع بالسعر العالمي واستخدم الديزل؟
إذا كان حديثنا عن ما يعادل الكمية المتفق عليها مع مصر بالكامل، فإنها وفق السعر العالمي (91 مليون وحدة حرارية بريطانية) تكلف الكمية المتفق عليها عند الانتقال إلى الديزل وبالسعر العالمي قرابة مليار دولار، أي أن الخسارة الناتجة عن عدم استخدام الغاز المصري وفق اسعار الاتفاقية واستبداله بالديزل وبالسعر العالمي وعلى أساس كامل الكمية المتفق عليها، هي قرابة 800 مليون دولار أي ما يعادل 567 مليون دينار أردني وهذا طبعاً رقم بعيد جدا عن الرقم المعلن أن الأردن سيتكبده كفرق فيما لو توقف الغاز المصري نهائياً والبالغ 3.52 مليار دينار!
فهذا رقم لا يمت اطلاقاً للواقعية والصدق بصلة كيفما كانت طريقة الحساب، فمن الذي عليه إذن أن يتقي الله فيما يقول وفي هذا البلد وأن يتوقف عن الكذب؟
نظراً للتعتيم المتعمد والمقصود وانعدام الشفافية وصعوبة بل شبه استحالة الوصول إلى المعلومات وخاصة ما يتعلق منها بالخامات التجارية والاتفاقيات المتعلقة بها، فلا سبيل لدينا إلا محاولة اشتقاقها من خلال ما هو معلن من الارقام الرسمية، فمن جهة يزعم الاستبداد أن الاردن يخسر سنوياً نتيجة توقف الغاز المصري قرابة 2 مليار دينار أي ما يقارب 3 مليار دولار، ولكننا بالعودة إلى ما هو متاح من قوائم المستوردات الأردنية حسب البنك المركزي نجد أن الفرق بين مستوردات الأردن من الوقود بمختلف اشكاله ارتفعت بين عامي 2008 و 2011 من 2.61 مليار دينار إلى 3.75 مليار دينار، أي ان الزيادة الحاصلة بين قيمة مستوردات الأردن من الطاقة قبل وبعد الغاز المصري كانت 1.14 مليار دينار، فإذا ما اخذنا بنظر الاعتبار نسبة نمو الاستهلاك السنوي والتي هي حسب تصريح وزير الاستبداد 17% فالزيادة الطبيعية في الاستهلاك هي قرابة 60% (مركبة) بينما الزيادة في قيمة فاتورة الطاقة هي أقل من تلك النسبة، إذن إن ما حصل من انخفاض في فاتورة الطاقة للعامين التي عملت فيهما اتفاقية الغاز المصري هو طارئ لأننا هنا نتكلم عن سنتين فقط، ولا يجوز أن تستند المجموعة الحاكمة في تبريرها لفشلها الاقتصادي الذريع على كل المستويات برده إلى امتياز طارئ تحقق خلال سنتين فقط. بحيث تصبح العودة إلى المقاييس السعرية التي كانت عليها قبلهما مبرراً لفشلها الاقتصادي، هذا فضلاً عن أن الفرق الحاصل لا يمكن بحال أن يبرر الخسارة المزعومة والبالغة 3 مليار دولار حسب تصريحات حكومات الاستبداد.
وعلى صعيد متصل، فإن ارتفاع اسعار الخامات بشكل عام والطاقة بشكل خاص انعكس كذلك على اسعار الصادرات السلعية، فصادرات الأردن من الفوسفات والبوتاس مثلاً أرتفعت ما بين عامي 2007 و2011 من 365 مليون دينار إلى 1.4 مليار دينار، وبشكل عام فإن الصادرات الوطنية ارتفعت لنفس الفترة بنسبة تقارب 40% فيما زادت المستوردات بنسبة أقل هي 38.2% فلماذا اذن ارتفع عجز الميزان التجاري لنفس الفترة بنسبة 37%؟
الاجابة تكمن في فرق الحجم بين المستوردات والصادرات، وبالتالي فإن نمو الصادرات بنسبة أكبر من المستوردات لا يعني تقلص عجز الميزان التجاري، الذي بلغ ارقام فلكية بتجاوزه 11 مليار دولار عام 2011، ولولا ان التحويلات الخارجية واهمها تحويلات ابناءنا العاملين بالخارج والمساعدات التي تقلص الفارق الفادح الذي يحدثه الميزان التجاري لانهار الدينار في اقل من عام واحد، يكفي ان نعلم أن الاردنيين العاملين في الخارج يحولون سنويا قرابة 4 مليارا دولار للأردن، بالتالي فإن جوهر الخلل القابع في الميزان التجاري وتفاقمه المستمر مرده بشكل أساسي إلى فشل سياسات الانتاج والتصدير، بمعنى أن غياب سياسات فعالة تستند إلى رؤية مركزية ناجحة في تنمية الصادرات الوطنية سبب رئيس لاستمرار تفاقم عجز الميزان التجاري، فالأردن يحتاج إلى سياسات من شأنها أولاً زيادة الصادرات الوطنية بمعدلات سنوية لا تقل عن 20%، وثانياً العمل على تبني سياسات احلالية بمعنى ايجاد مصادر محلية لاحلالها محل المستوردات وبشكل خاص في قطاع الطاقة وكذلك ادارة عملية استيراد الطاقة في المرحلة الانتقالية بأعلى مستوى ممكن من الكفاءة.
ذلك أنه حتى وفق الأرقام الأكثر صدقاً ومعقولية وواقعية وهي التي بيناها اعلاه، تبقى هذه خسارة كبيرة للاقتصاد القومي، وهي تضيف عبء مهم وملحوظ إلى الميزانية العمومية الأردنية، وبعيدا عن الارقام المبالغ فيها التي يعلنها بعض المسؤولين الرسميين، فإن معدل خسارة الأردن اكثر من مليون ونصف المليون دينار يومياً، هذا طبعاً إذا تم الانتقال بالكامل للاعتماد على الديزل، والأمر غير المفهوم هو لماذا يتم الانتقال أصلاً للاعتماد على الديزل أو الزيت الثقيل بشكل كامل؟
من الواضح أن هناك سوء إدارة لهذا الجانب الاقتصادي الحساس، نعني تحديد المورد الأوفر لتوليد الطاقة الكهربائية في الأردن، ففي نهاية شهر آذار 2012 هبط سعر الغاز الطبيعي إلى ادنى مستوياته عالمياً، ليصل إلى 2.15 $/مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو بالمناسبة نفس سعر الغاز المتفق عليه مع مصر، أي أن سعر الغاز العالمي وصل فعلاً لسعر الغاز وفق الاتفاقية مع مصر بهذا التاريخ، وهو اليوم دون مستوى 4$/مليون وحدة حرارية بريطانية، بالتالي فإن السؤال المشروع والمنطقي وفق هذه التذبذبات السعرية هو لماذا لم تلجأ الحكومة الأردنية خلال هذا العام إلى عقد اتفاقيات توريد غاز وفق هذه الاسعار وبعقود طويلة الأجل كان بالامكان الاعتماد عليها للاستعاظة عن الغاز المصري وباقل هامش ممكن من الخسارة؟
لكن إذا كان السمسار هو من يبيعنا وهو من يشتري منا أيضاً، فلا بد إذن ان نشتري بأعلى الاسعار ونبيع بأرخصها، ولا بد أن نخسر أكبر قدر ممكن من المال، وندير العملية بأقل قدر ممكن من الكفاءة، والتبرير جاهز دائماً "إن اسعار الطاقة ارتفعت والغاز المصري انقطع"!
الأصل فيمن يتولى الادارة العامة في الأردن، أن ينشغل وبشكل اساسي بمسألتين هما الطاقة والمياه، فلا يمكن الحديث عن علاج جذري وفعال لمشكلات الاقتصاد الأردني إلا عبر هاتين المسألتين وما يتصل بهما، هذا إذا وفقط إذا كان هناك ادارة مسؤولة أمام شعبها، وحاكمية للكفاءة والنجاح في ادارة الدولة، وحس وطني صادق تجاه هذا البلد، أما إن كان الاستبداد الذي يحكمه منطق السماسرة هو سيد الموقف، فسيظل الاردن معاقاً اقتصادياً حتى يبقى على مقاس هكذا ادارة فاسدة مستبدة لا تصلح للرؤية بالعين المجردة.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير