2024-12-24 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

مرسي والنوايا الحسنة

عمر ابو رصاع
جو 24 :

الاشكال الذي وقع فيه الرئيس مرسي وحزبه وجماعته، هو نتاج خطأ جذري في مقاربة التصور العام لممارسة السلطة من جهة وتشكيل الدولة من جهة أخرى، وإذا ما افترضنا حسن النية في الاعلان الدستوري الأخير وأنا فعلاً افترضه، فإن مؤداه النهائي في الجزء الخاص برفع قرارات الرئيس فوق مستوى النقد والقانون، لا يمكن أن يثير إلا المخاوف الكامنة من صناعة ديكتاتور جديد، والعودة إلى نهج الاستبداد بالسلطة.
النوايا الحسنة وحدها لا تكفي، فانقلاب الضباط الاحرار بدأ فعلاً بمجموعة من النوايا الحسنة، وعندما وصلوا إلى السلطة وعدوا الناس بالعودة إلى ثكناتهم بعد ستة أشهر، وهو الأمر الذي لم يحدث أبداً، اليوم معظم القوى الثورية تتفق مع الدكتور مرسي على أن استمرار النائب العام في منصبه مشكلة تواجه الثورة، لكن اغلبها ايضاً تنظر إلى الاعلان الدستوري بصفته دس للسم في العسل، ذلك انه خلط بين ابعاد النائب العام من ناحية وتحصين قرارات الرئيس واطلاقها من أي اسار قانوني من ناحية أخرى.
المنطق الذي سمعناه على ألسنة الكثير من انصار الجماعة حول المتواجدين في الميدان ضد الاعلان منطق خطير، منطق يعمق من مأزق الرئيس ويجعله وجماعته في كفة وبقية القوى السياسية مجتمعة بكفة بما فيها القوى الثورية التي صوتت لمرسي بالأمس القريب، وآزرته ضد شفيق في معركة الرئاسة، فهل للرئيس فعلاً مصلحة في أبلسة كل من وقف في الميدان ووضعه تحت خانة "الفلول" واعداء الثورة؟!
احياناً يضعك الخطاب الرسمي لجماعة الاخوان في مواجهة حالة من عدم اليقين، حول ما إذا كانوا فعلاً يدركون الفرق بين تفويض الاغلبية عبر الانتخاب لممارسة السلطة وانفاذ ارادة الأمة، وبين المظلة التي تمكن ذلك المفوض من أن يفعل، تلك المظلة التشريعية التي سنامها التوافق الوطني حول الدستور ومجموعة الحقوق والحريات الأساسية للافراد والجماعات والنظام الانتخابي.
أن تؤيدك الاغلبية لا يعني بحال أن لك الحق في الانفراد في وضع الدستور مثلاً، لأن هذا معناه أنه كلما اتت سلطة منتخبة جديدة يكون لها الحق بذلك، فنصير أمام دولة يغلب فيها الفائز الشعب بالاغلبية بدلاً من أن يحكمه باسمها، وهذا المنطق الذي تشعر فعلاً أنه يهيمن على الجماعة اليوم، فكأن الفوز في الاغلبية الانتخابية معناه الفوز بالدولة لا الفوز في حق حكمها وشتان بين هذه وتلك.
باسم الاكثرية انتجت اعتى الدكتاتوريات في التاريخ، والفرق الجذري بين الديمقراطية الشمولية التي تنتج الاستبداد بالضرورة والديمقراطية المدنية الدستورية التعددية، هو تماماً الضمانات الدستورية التي تحول دون تمكين كائن من كان من أن يستبد بالسلطة.
هكذا فإن الاعلان الدستوري الأخير، وخاصة الشق الذي حصن قرارات الرئيس ووضعها فوق القانون، يسير بعكس الاتجاه الصحيح، ولا يجوز قبوله أياً كانت الذريعة، وذريعة "حماية الأمة والثورة" عبارة مطاطة يستطيع الشيطان أن يكيف لها المضمون الذي يريد، فالأصل الذي لا مندوحة عنه هنا هو أن الغاية لا تبرر الوسيلة أبداً، وهنا تماماً وعلى نحو دقيق تنطبق القاعدة النّاصة على أن "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح".
ألم يكن بامكان الرئيس تقديم اعلان دستوري تتشكل بموجبه محكمة ثورة، يتم التشاور حولها مع مختلف مكونات المشهد السياسي والقضائي، ويعتلي منصتها مجموعة من القضاة الذين يحوزون توافقاً وطنياً حول نزاهتهم وكفاءتهم؟!
لقد اهدر الرئيس مرسي فرصة تاريخية في أن يكون قائداً تجمع عليه الثورة، وفي أن يحتشد التأييد العام لرؤيته وبرنامجه، والنتيجة التي افرزها المشهد الحالي هو أن الرئيس وجماعته اليوم باتوا في كفة وباتت مصر ببقية قواها السياسية في الكفة الثانية للاسف، فحتى حزب النور السلفي في بيانه لم يوافق على ذلك الجزء من الاعلان.
المشهد الحالي يشي بالكثير، والدرس الرئيس الذي يستقى منه هو أن مرحلة الانتقال التي يحتاج المجتمع إلى انجازها، تتطلب اعلى درجات التنسيق والتوافق الوطني الممكنة بين القوى السياسية المختلفة، فحيث تخضع الدولة للتشكيل ينبغي أن يحوز شكلها هذا على التوافق الوطني، حيث الاغلبية في كل مكون من مكوناتها أكان جهوياً أو عرقياً أو طائفياً أو سياسياً، عند إذ تستطيع السلطة التي تفرزها اغلبية انتخابية أن تعمل وفق معطيات ذلك الشكل الذي توافق عليه الجميع، والاغلبية هذا إذا افترضنا أن هناك أغلبية تؤيد فعلاً هذا الاعلان الدستوري، ليس لها هنا أن تفرض الشكل الذي تريده هي على بقية المكونات، اللعبة الديمقراطية تحتاج أولاً إلى توافق اللاعبين حول قوانينها وشروطها حتى تعمل، غير ذلك ستمضي بنا التجربة نحو الاستبداد بالضرورة.
الاعلان الدستوري بنواياه الحسنة فخ خطير، ومرسي اجتهد فاخطأ وتصحيح الخطأ هنا لا ينتقص أبداً من قيمته أو كرامته، بل العكس هو الصحيح، والاصرار على المضي قدماً فيما يفعل سيجعله هو تماماً الخاسر الأكبر.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير