هذه المفارقة وأسبابُها
ابراهيم العجلوني
جو 24 :
ما أقل ما نتمثّل اليوم بقليل أو كثير مما نقرأ أو نسمع من هذه «الاشعار» التي تملأ من الصحف الأنهار، إنّها «أشعار» مرشّحة لأن يتجاوز عنها الشعور بعد قراءتها او سماعها. وهي تذكرنا – الا النادر منها – بقول «دعبل بن علي»:
يموت رديء الشعرِ من قَبْل ربّه
وجيّده يبقى وأنْ مات قائله
ولعل من المفارقات اللافتة ان بعض هذه «الأشعار» يحظى بمصاحبة الموسيقى، وبأجواء مُصطنعة تهيئ لمن يتلقّاها ان يتعرّض لنفحاتها (!) تحت سطوة المؤثرات، فما هي الاّ أنْ يغادر ذلك المناخ حتى يغدو ما تلقاه اثراً بعد عين، او امشاجاً لا قِوامَ لها، تنزلق عن ذاكرته او تزلُّ الى أعماق النسيان عنها.
ولقد امكن للناس اليوم ان «يسجّلوا» الأمسيات «الشعريّة» في أشرطة، وان يحتفظوا بدواوين كثيرة من «الأشعار»، وأنْ يقرأوها في الصحف والمجلات وقد أُخرجت أجمل اخراج ممكن وأكثره تزويقاً وتنميقاً. ولكن أحداً منهم لا يتمثل بشيء منها كما قد نتمثل بأشعار المتنبي وأبي العلاء المعري وأبي تمام من القدماء، أو بأشعار أحمد شوقي وعمر أبي ريشة وعلي محمود طه من المحدثين.
إنّ مما لا ريب فيه، انّ لهذه المفارقة أسبابها التي قلّما ينظر فيها المشتغلون بنقد الأدب، ونحن نرى أن مضاهأة أنماط التعبير (المترجمة) لدى دعاة التجديد والحداثة، وتجافيهم عن الأصالة الأدبيّة، يقعان في المقدمة من هذه الأسباب.
ولعلنا ان ننبه بهذا الذي نقتضبه اقتضاباً الى ضرورة مواجهة هذه الظاهرة بالنقد الكاشف والتحليل الموضوعي، وان لا نتركها تتفاقم، بطول الأمد، فتفعل فعلها في العقول والأذواق، وتباعدُ ما بيننا وبين أصالتنا الثقافية وذائقتنا الأدبية وما اشتملتا عليه من جوامع الكلم ومُبْدعات الشعور..
(الراي)