عن الروائي الوزير: أندريه مالرو
بقي اندريه مالرو، الروائي الفرنسي المعروف، الذي طبقت شهرته الآفاق وكانت أعماله موضع حفاوة النقاد في أوروبا، وزيراً للثقافة في عهد شارل ديغول مدة اثني عشر عاماً؛ كان همّه الأكبر فيها خدمة الثقافة الفرنسية بصمت ودأبٍ دونما ضجيج إعلامي. ولم تكن الصحف الأدبية الفرنسية تشير – إلا في القليل النادر – إلى ما يباشره الأديب الوزير من أعماله وواجباته ولكنها كانت تحتفي احتفاءً مشهوداً برواياته وكتاباته الفكرية. ولا سيما روايته «القدر الإنساني» – وقد تُرجمت إلى العربيّة – التي اعتبرت شهادة على العصر واتخذت مكانها بجدارة إلى جانب «لعبة الكريات الزجاجية» لِهرمان هسّة الألماني و»الأخوة كارامازف» لدستويفسكي و»الشيخ والبحر» لإرنست همنجواي».
وفي الحق أن واقع الحياة الغربية في عصرنا هنا ما كان يمكن فهمه دون فهم هذه الأعمال الأدبية الرائعة. مضافاً إليها مسرحية «فاوست» للألماني جوته، وأشعار إليوت وإزرا باوند وقبلهما بودلير وبايرون وشيلى وأحزابهم.
وإذ نعود من استطرادنا هذا إلى «أندريه مالرو» وإلى روايتِهِ «القدر الإنساني» التي عكست التحولات الجذريّة في مجتمع الصين الواسع وهو يواجه رياح العصر، فإننا نجد جملة من التساؤلات ذات الطابع الوجودي تملأُ آفاق شخصياته. كما نجد شاعرية عالية في التعبير، إلى طابع تأمّلي فلسفي واضح على نحو ما نجد في أعمال «هيرمان هسّة» ولا سيما روايته التي فازت بجدارة بجائزة نوبل أوائل ثلاثينيات القرن الماضي: «لعبة الكريات الزجاجية».
كان «اندريه مالرو» مفكراً كبيراً وأديباً متميّزاً، أمكنَ له خلال اثني عشر عاماً من تسلّمه لوزارة الثقافة الفرنسية، أن «يخدم» مثقفي فرنسا الخدمة اللائقة بهم. وأن يوسّع دائرة «الفرانكفونية»في العالم، وأن يَظَلّ في كل أحوالِهِ صاحب الموهبة الكبيرة والعقل الفذّ الذي نستذكره في كثير من الأحيان، ونستدل على حسن اختيار «ديغول» إذ استمسك به اثني عشر عاماً في تكليف أدرك الأديب الكبير مسؤولياته وحمل أعباءَه، وصار في ذلك مَثَلاً يُضربُ وأُنموذجاً يُستحضر.
بقي أن نأسف لأنّ لا أحدَ اليوم من أجيالنا الجديدة نجد له اهتماماً بالأعمال الأدبية والفكرية التي تتطلب احتشاد الذهن ويقظة الوجدان، على حين سالت الأنفس في مَسَايل الفضول على ألوانٍ وشكوك ولحُون. ولله في خلقه شؤون.