عن «المعلم الثالث»
ابراهيم العجلوني
جو 24 :
كتب الدكتور عبدالرحمن بدوي رحمه الله فصلا ممتعا في ملحق موسوعته الفلسفية عن الفلاسفة الجدد في فرنسا الذين اتخذوا موقفا نقديا من الماركسية والوجودية السارترية، وكسروا اغلال الايديولوجيا، ورفضوا تحكم المؤسسة الدينية، على الرغم من نزوعهم الايماني الواضح كما هو «كلافل» اكثرهم اهمية وبروزا.
الفكرة الرئيسة التي يجتمع عليها هؤلاء الفلاسفة الجدد هي رفض المادية، ولا سيما الماركسية، بما يقتضيه ذلك من بحث عن آفاق معرفية وروحية خارج تحكماتها ومُطلقاتها «العلمويّة».
وقد كان لثورة مايو الطلابية عام 1968م دور كبير في تأجيج الرغبة في حرية التفلسف خارج اطار المادية الديالكتيكية التي كتب جان بول سارتر فيها كتاب «نقد العقل الديالكتيكي» متأثرا فيه بما كان عمانوئيل كانت ألّفه في «نقد العقل الخالص» و»نقد العقل العملي» و»نقد ميتافيزيقا الاخلاق».
كما كان لاحتلال المجر من قبل الجيش السوفياتي ولالوان القمع والاضطهاد في تشيكوسلوفاكيا دورها في انتفاضة وعي هؤلاء الفلاسفة على الشيوعية التي اصبحت اليوم – بما هي قوة ايديولوجية – في خبر كان، وقام مقامها – وفي عقر دارها – حكم رأسمالي يأخذ بطرائق الغرب في التفكير والتدبير ويوشك ان يكون امتدادا له في الشرق، على عكس ما كان يتمنى كبار أُدباء روسيا وفلاسفتها – مثل دستويفسكي وينقولاي برديائيف) من ضرورة نهوض روسيا على نهج مخالف للغرب الرأسمالي.
لقد استطاع عبدالرحمن بدوي، رحمه الله، ان يضعنا في قلب التحولات الفكرية في اوروبا (ولا سيما ألمانيا وفرنسا) وان يكشف الغطاء عن حقائق لم يتمكن على بال كثير من اللاهثين في غبار الشيوعية على غير هدى ولا بصيرة.
ولا احسب هذا الفيلسوف العربي الذي يستحق لقب «المعلم الثالث» متجنياً في تحقيقاته واطاريحه، ولا انه لا يملك الموازين التي يملك بها التقويم الصحيح. ولعل هذا ان يكون سبباً في احترام مُنجزه المعرفي وفي الافادة منه في مواجهة الرجعيات المذهبية التي تزعم لها ريادة مجانية وهي لا تزن في ميزان الريادة شروى نقير..