ادوارد سعيد والاستشراق
يمثل كتاب «الاستشراق» لادوارد سعيد الذي صدرت طبعته الاولى عام 1981 انعطافة نوعية في دراسة دواعي العكوف الغربي/ الاستعماري على دراسة المشرق العربي الاسلامي. وهو اقرب ما يكون الى مرآة يضعها المفكر العربي الفلسطيني في اوجه مجموعة من الدارسين الغربيين الذين جهدوا في تشويه صورة الاسلام على مدى يقارب قرنين من الزمان, وذلك خدمة لعدة اغراض نذكر منها:
اولاً: الحؤول دون تأثير الاسلام في الشعوب الاوروبية, ولا سيما نخبها التي اظهرت اهتماماً بهذا الدين (النخب الالمانية في القرن الثامن عشر مثلاً).
ثانيا: التوطئة الايديولوجية والنفسية لنهب مقدرات شعوب الشرق, على نحو ما استثمر في خلفيات الاستشراق من قبل ان يدّعي كارل ماركس بأن هذه الشعوب عاجزة عن ان تمثل نفسها الى أن اخذ برنار لويس بوضع خططه لتقسيم المشرق العربي الاسلامي.
ثالثاً: ايجاد مسوغات مفاهيمية لتمكين اسرائيل في بلاد العرب والمسلمين.
ومن يقرأ كتاب ادوارد سعيد هذا, ويقارنه بما كتبه محمد اركون في موضوع الاستشراق يلمس الفارق الكبير بين الاصالة الموضوعية الناقدة وبين المواطأة المنبهرة. فادوارد سعيد يشق طريقاً جديدة في فهم الاستشراق واسبابه, على حين يهرع اركون على آثار استاذه «فون غروبناوم» الذي يتمتع كما يقول ادوارد سعيد «بالسلطة الفريدة لباحث اوروبي في الولايات المتحدة, يدرس, ويدير, ويوزّع المنح على شبكة كبيرة من الباحثين في الحقل».
لقد كان كتاب ادوارد سعيد «الاستشراق: المعرفة. السلطة. الانشاء» أشبه شيء بعصا موسى التي تلقف ما يأفكه مدّعو المعرفة بالرق من مستشاري الدوائر الاستعمارية الغربية. وهو جدير بأن يكون كتاباً مقرراً في الجامعات العربية والاسلامية لما يكشفه من اغراض الاستشراق قديمه وحديثه, ولما يحفز همم الباحثين اليه من اعتماد المعرفة الموضوعية النزيهة لعالم الاسلام. وحسبك بذلك سبباً للحفاوة والاهتمام.