هذا التخلّف الايديولوجي!
هل كان ماركس، بما هو عالم اقتصاد كما يقول بعضهم، او بما هو عالم سياسة كما يقول آخرون، او كاتب مؤرخ كما قد يزعم لنفسه، ذا رؤية عامة معتبرة، تصمد للنقد الشامل او التحليل المنطقي الدقيق؟
هل كانت المادية التاريخية نظرية علمية في التاريخ تصدقها الوقائع، وانها – فيما يغلو فيه الساذجون – تشتمل على كل العناصر التي تؤهلها لشرح نفسها بنفسها، وانها تحتوي – في توكيد اكثر سذاجة (ودروشة) على اكثر من فلسفة؟
هل «مادية التاريخ» علمية حقاً، وهل قانون «منطق الثورات» يشكل نظرية موضوعية حقا، وهل البنية الاقتصادية هي التي تحدد – او تحسم – نتيجة تدافع القوى الاجتماعية والسياسية؟
هل هي ضربة لازم على اصحاب العقول ان يعتبروا كتاب (رأس المال) وما تعاقب عليه من شروح تبجيلية كتاب علم وفلسفة؟
هل ثمة ما يمنع من ادراك التناقض المنطقي بين المادية الديالكتيكية (ذات الاصول اللاهوتي في جدلها) وبين رفض ستالين لامتداد اثر الجدلية التاريخية الى قلب البنية الفوقية لدى ظهور الديكتاتورية البرولوتارية، حيث تكون نهاية قسرية اعتنافية للتاريخ، وحيث لا تكون الا طبقة واحدة لا مكان فيها لوجود علاقات متناقضة بل لا مجال للتفكير في وجود مثل تلك العلاقات بعد ان ألقت كل الجدليات رحالها على عتبات الحزب الحاكم؟
هل ان ماركس – فيما يندفع بعضهم فيه من حماسة له – جعل التاريخ، في قوة تركيز الرياضيات، والفيزياء وانه استخلص – دون معقب – قوانين تَغَيُّر المجتمعات، وان ما ذهب اليه علم حقيقي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟
ان من حقنا ان نتساءل عما سبق، جملة وتفصيلا، وان لا نُسلم به، وان نُخْضِعَهَ للنقد، على نحو ما كان من كثير من مفكري الغرب والشرق، وان ننزع عنه هذه القداسة الثورية الزائفة التي تكبل كثيرا من العقول في مشرقنا العربي الاسلامي.
كما ان من حقنا ان نهز غفلة الغافلين منا ولا سيما اولئك المقلدون المضاهئون والذين يزعمون التقدم والحداثة، وقصاراهم وابلغ ما يجتهدونه انهم (يجيبون صوتاً وصدى) وينعقون بما لا يعقلون.
لقد كتب الفيلسوف المجدد الدكتور طه عبدالرحمن كتاب القيم عن «حق العربي في الاختلاف الفلسفي» وهو حق قائم – فيما اعتقد – على أُسس نقدية ومناهج في النظر سوية. لا يستطيعها ولن يستطيعها فلولُ دراويش الماركسية الذين اضحوا كالخُشب المسندة، يحسبون كل صيحةٍ عليهم.