للمغتربين فقط ..
الواحدة والنصف بعد منتصف الليل وأنا ساجدة بين يدي الله تذكرتك أمي فانهمرت دموعي شوقاً اليك فلم أسمع صوتك اليوم!
ركضت مسرعةً أبحث عن قلم... عن أي ورقة باكية، خائفة من أن تهرب مني الكلمات فلحظات الصدق حبيبتي غدت قليلة في حياتنا الا معك! فكل كلمة معك وكل لحظة أذكرك فيها هي من القلب.. هذا القلب الذي أقسته الغربة من قساوة الناس الا معكم أحبتي: والديّ واخوتي.
أكتم صوت بكائي كي لا يستيقظ أطفالي.. حتى بكائي يجب أن يكون بصمت..غضبي، فرحي صراخي.. كله يجب أن يتم بصمت، لكن حبي لكم عائلتي لم ولن يكون كذلك.. شوقي إليكم صرخة أقولها عاليه: اشتقت اليكم.
مَرَّ يومٌ أمي ولم أسمع ذلك الصوت الحنون الدافئ المحمل بالحب والشوق والاعجاب. أنت الصديقة التي شاركتني العديد من الذكريات. وقفت بجانبي في أحلك وأحلى الظروف. لن أنسى ما حييت يوم ذهبنا معاً لشراء فستان زفافي.. نظرت اليّ بعينين دامعتين. أظنك وقتها لم تكوني لتصدقي أن بكرك أصبحت عروسا. لم أفهمك حينها ولم أقدرك حتى أصبحت أما!
يا الله كم مرة سمعت هذه العبارة: "لن تعرفي شعوري حتى تصبحي أما". ها قد صرت أما وعرفت. عرفت كيف أن كل كلمة جميلة كانت تأخذك فرحا فوق السحاب، وكيف أن أبسطها من الممكن أن تجرحك.
ليس في الغربة عائلة أخرى.. فالأصدقاء ان وجدوا يبقوا أصدقاء. من السهل كسبهم ومن السهل أيضاً خسارتهم. كُله يصب في باب الواجب والذوق الا النادر منهم. أما العائلة الحقيقية فهي من تحب بغير حدود، وتتقبل الانسان كما هو بسيئاته وحسناته، ومن تجد لك الأعذار عند موقف ما، ومن تتكلم معك في أي وقت لتقول فقط نحبك.. مشتاقون.. كيف أنت؟
نكبر والديّ وتكبرون ويكبر أحفادكم.. تفصلنا بلدان وقارات ومحيط، ويراودني سؤال يلح عليّ دائماً أيوجد هناك ما يستحق الغربة؟! أليس من حق أولادنا أن يعيشوا بين أحبابهم؟ بين اجدادهم؟ أليس من حق والدي عليّ أن أكون بينهم بينما هم يدخلون سن الكهولة؟
لا أدري ماذا أقول! أبكيك وطني يا من هُنت عليه.. أبكيك وطني يا من بعت أبناءك لتشتري كل طارئ وغريب.. أبكيك وطني يا من أضعت هويتك وحرمتنا هوياتنا!!
أدعوك ربي أن تلهمني الصبر والصحة لأتحمل ما بقي لي في هذه البلاد، لأعود اليك حبيبي الغالي وأقول: معاً سنبني.. معاً نحن أقوياء.. بالحب والعزيمة والانتماء، وأرجوك أرجوك أن تقف الى جانبي كي لا أهرب مرة أخرى، وأبحث مجدداً عن وطن يرعى أحلامي ويلبي طموحاتي.