في حديث له شجون ....
في حديث له شجون سألتني لم؟ لم تكتبين ما تكتبين؟! ما المحصلة لما تكتبين؟ على رسلك صديقتي.. أخاف عليك.. أخافك أن يقودك اندفاعك في كلماتك إلى ما وراء الشمس!
أخذتني العبرات ومرارة العبارات الى بلاد "قمعستان" كما سماها نزار قباني رحمه الله. عرفها منذ عشرات السنين.. تمرد عليها، وعصاها، وأُبعد عنها، لكنه كان دائماً يثق فيمن يقرأ كلماته.. كان يعرف أنهم هم فقط من سيصنعون التغيير. قتله البُعد عن شامه، فلم تستقبله الا بعد حين في نعش قبل أن تصبح كلماته أنشودة يتغنى بها زبانية الظلم والظلام. يا له من أمر مضحك مبكي!!!
هنا يكمن بيت القصيد صديقتي.. من يقرأ؟ للكلمات عزيزتي سحر يحرك كل ساكن بصرف النظر عن طبيعة رد الفعل ازائها سواء كان غاضبا،ً أو حاقدا، مؤيدأ، أو خائفأ.. حتى لو كان رد الفعل ساكناً فلا بأس.. بكلمة نكسب وبأخرى نخسر.. ليس للجميع أن يؤيد فلكل أسبابه وقناعاته.
الكلمة بالنسبة لي هي أضعف الايمان.. ما أجمل أن يعبر الفرد عن فكره أو رأيه أو قناعه، والأجمل من ذلك أن تحترم بصرف النظر عن ماهيتها.. فهنا تتجلى حضارة الانسان ورقيه.
والدي كردي الأصل..أمي سورية، وجنسيتي وهواي أردنيان، وولدت وترعرعت في عمان لم أعرف غيرها مدينة ولا بلدة.. قد تكون هذه التوليفة وتلك الظروف السبب في نشأتي من غير احساس بمعنى الوطن الحقيقي، فلطالما وددت البعد عنه بعد تجارب الحياة القاسيه. لم أدرك قيمة الأرض حتى أحببت عاشقاً لها.. رجل يتغنى بكل حبة تراب في وطنه على الرغم من تنكر أولي الأمر له.. عندها فقط أدركت كم فاتني، وتعلمت منه حب هذه البقعة من الأرض قبل أن يرتبط بها وجداني.. ألاحق أخبارها من صحيفة إلى أخرى.. أحزن لحزنها، وأفرح لفرحها، ولكن ما يوجع القلب أن أتراحها باتت الغالبه.
تريدينني صديقتي بعد ذلك أن أسكت؟! كيف أسكت ازاء الفساد؟! كيف أصمت على الظلم؟! كيف أرضى بتخوين الأمين وتأمين الخائن؟! علمني أولادي في دار المهجر بل لأقل دار الممر هذه أن أدافع عن رأيي.. نعم.. للأسف أو لأقل لحسن الحظ أنني أدركت وأنا في عقدي الرابع الدفاع المستميت عما أؤمن به! تربينا على السمع والطاعة في البيت.. في المدرسة.. وحتى في العمل. لكن كان هناك دوما في داخلي متمردة سببت لي الكثير من المتاعب، ولكنني أحبها.. متمردة نضجت سياسيا وثقافيا وروحيا في بلاد "العم سام".. صقل تمردها أطفال علموها الدفاع عما تؤمن به دون خوف أو وجل.
جنيت عليّ صديقتي عندما طلبتي مني التريث.. لقد استفزيتينني.. أشعلت فيّ ناراً ودفعتيني لطرح السؤال: لم الخوف، وعلام نخاف؟ أجمل ما يحمل الانسان في هذا الجسد البالي هي الروح، ومن حكمة الباري أنه هو وحده فقط من يسترجعها قبل أن تبعث من جديد.