jo24_banner
jo24_banner

الاردن بين عامين ....قراءة شائكة في محيط مضطرب

د. عبدالمهدي القطامين
جو 24 : فيما راح عام 2016 ينسحب ببطء معلنا اختفاؤه من حياتنا والى الابد وراحت تباشير العام 2017 تتسلل ببطء نحونا ولا شيء سوى المجهول يلوح من ثنايها وفيما تجهز البعض لاحياء ليلة رأس السنة على طريقته الخاصة قررت ان احييها ايضا على طريقتي الخاصة بالكتابة هذه المرة محاولا استقراء واستنباط ما خلفه العام الماضي من مآسي في الذاكرة الوطنية وعلى المستوى الوطني مبتعدا قليلا عن الهم القومي الذي اعاقره منذ ثلاثين عاما ولكن بلا جدوى ؟
منذ لاحت تباشير التغيير السياسي على مستوى الحكومة وكانت اولى تلك الاشارات قد بدأت مع اواخر نيسان من العام الماضي كانت حكومة الدكتور عبدالله النسور قد انهت اربع سنوات من عمرها الطويل الى حد التعب في ولايتها تم اتخاذ العديد من القرارات التي ارهقت المواطن الاردني رفع اسعار ومحدودية وظائف وتراجع قدرة شرائية وكان البعض يتطلع نحو مزيد من الانفراج ولكن ذلك بدافع الرغبة والطموح وليس مبنيا على ما يمور به الواقع من اختلالات مزمنة فقد بات الامر اكبر من قدرة الحكومات على التغيير فهي حكومات تمتلك موارد محدودة وقدرات على المناورة اضعف من ان تمكنها لعب دور حاسم في حياة المواطن الاردني في ظل اقتصاد تردى الى درجة خطيرة مع ارتبفاع غير مسبوق في تاريخ المملكة من الديون الخارجية والداخلية معا والتي بلغت اكثر من تسعين بالمائه من الناتج المحلي الاجمالي مع ما تشكله هذه النسبة الخطيرة من اثر على معيشة المواطن وكذلك على قدرة الحكومة على الاقتراض وفق ما يرسم له وما تخطط الجهات الدائنة التي تضع شروطها على طاولة الحوار وهي هادئة تماما فيما يكون الوفد الحكومة مستفزا الى ابعد حد .
هل كان الاردن واقصد هنا الناس بمثقفية وعامته ومحاوريه وعاقليه وجهاله ايضا يتوقعون الكثير من حكومة الدكتور هاني الملقي التي تشكلت اواخر الشهر الخامس في ظل الاوضاع التي اوردتها سابقا ....ربما كان هناك نوع من التفاؤل المبني على الامنيات ليس ابعد من ذلك فمرارة الواقع كانت تشير الى ان مثل هكذا حكومة لن تغير من الوضع شيئا وانها سترفع الاسعار شاءت ام ابت وانها ستحدد الوظائف شاءت ام ابت وانها في النهاية لا تملك من امر تغيير الواقع شيئا ومما زاد من السخط عليها انها شهدت احداثا امنية خطيرة اشرت على ضعف المنظومة الامنية التي كانت ولا تزال رأسمال الاردن وكانت مضرب المثل في الاقليم على الاقل وقد شكلت هذه الثغرات الامنية علامة تساؤل كبرى على مقولة الامن والامان التي نعتز بها ونفاخر واشارت الى ان هناك نوع من الغفلة الامنية وربما ضعف المتابعة للمشبوهين مثلما اومأت حادثة قلعة الكرك الارهابية الى ان لدينا ضعف في تقدير قواعد الاشتباك وفي التدخل السريع في حالات الطواريء وهو الامر الذي جرنا الى خسائر بشرية كان يمكن منع حدوثها لو تدبرنا الامر جيدا وقدرنا الموقف بدقة وادخلنا اصحاب الاختصاص في مداهمة المجرمين منذ بدء المواجهة لوفرنا الكثير من الدماء التي سالت على قلعة الكرك .
وعلى مستوى التشابك النيابي السياسي شكلت حادثة دخول احد النواب الى مكتب احد الوزراء " واحتلاله " المكتب ظاهرة خطيرة لعلها الاولى في تاريخ الاردن النيابي ولم يسبق ان حدث مثل هذا التشابك بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وهذا اشر ايضا على ضعف في علاقات التوازن بين هاتين السلطتين وسعي السلطة النيابية الى فرد عضلاتها امام الحكومة التي بدت في اضعف صورها امام هذه الحادثة وسط اعجاب واضح من قبل المجلس التشريعي بالموقف وربما اعجاب شعبي ايضا لدى العامة لكنه شكل اكثر من هاجس لدى النخبة لعل اهمها هو ما وصلت اليه المؤسسات الوطنية من انحدار غير مسبوق في التعامل والتشارك ثم ان الكثير من الاخبار التي تسربت من داخل اروقة الحكومة كانت تشير الى ضعف التجانس الوزاري داخل الحكومة نفسها ومرد ذلك بطبيعة الحال هو اليات تشكيل الحكومات في بلادنا والتي تشكل من اكثر من جهة واكثر من مطبخ ولعل ذلك مكمن الخطر فكما يقول المثل ان الطبخة اذا كثر طابخوها فسدت او كادت وهو ما يتم فعليا عند تشكيل حكوماتنا وحكومة الملقي ليست بشاذة في التشكل ضمن هذه المعطيات وهو ما يضعف دور رئيس الحكومة وولايته العامة على وزرائه اولا وعلى الشأن العام ثانيا لذلك ما يرشح ينبي ان خلافات عميقة داخل التكوين الحكومي ادت الى وجود ثغرات في الاداء وصراعات بل وحتى استقواء من بعض الوزراء على رئيسهم وتلك قصة اخرى تدفعنا الى البحث في خلفيات رئيس الحكومة الملقي والقادم من خارج اطار مراكز القوى التقليدية فهو من جانب ليس قادما من الوسط الاقتصادي بكل خفاياه ورموزه ولاعبيه وليس قادما من وسط مؤطر سياسيا على غرار التكوينات السياسية الاقرب الى الكنتونات المصالحية والعشائرية والتناوبية المكاسب السائدة في مجتمع النخب التي تربعت على دفة القرار في مساحات الدولة المختلفة العميقة وغير العميقة ايضا خلال عقود وبدا للنخب ان هذا القادم بات منافسا لللاعبين التقليديين وكان ان تم الاجماع على محاربته ولعل احد صناع القرار في مرحلة من مراحل الدولة حين التقيته قبل شهر في مكتبه اشار الى هذه الحقيقة حين قال اشفق على الملقي من اين "يرقعها " ما تقدم جعل من شخص الملقي هدفا لسهام متعددة المشارب والغايات كلها تسعى الى خلافته ولا بأس من وضع ما تيسر من عراقيل في طريقه من المجلس التشريعي الطامح في تحقيق مكاسب لقاعدته الانتخابية على شكل وظائف متقدمة وحقائب وزارية ايضا فثمة من يلح على الملقي في توزير بعض المقربين من اعضاء المجلس النيابي وتطول قائمة المطالب النيابية التي تحتاج الى مضاعفة الموازنة لتلبيتها .
ويدور حديث بين البعض عن ضرورة اقالة الحكومة واستبدالها بحكومة ذات طابع عسكري وهو الامر الذي ان تم فانه يعني شيئا واحدا فقط ان البلاد ستعود الى حقبة السبعينيات وستكون حقوق الانسان وحق الناس في التعبير هي الضحية الاولى لمثل هكذا حكومة وقد يقول قائل ما هو الحل اذن ولعل الصديق الوزير السابق محمد الداوودية اول من اشار الى الحل عبر صفحته على الفيس بوك ومجمل الاشارة تلك تثني على قرار السماح للملقي بتشكيل حكومته الخاصة بعيدا عن اي تدخلات من اي جهة كانت لتمكينه من بناء حكومة قادرة على قيادة البلاد نحو بر الامان شريطة ان تكون حكومة وحدة وطنية واسعة تمثل الشعب وقياداته المجتمعية والسياسية والنقابية تمثيلا مناسبا وتمارس ولايتها العامة كما ينبغي وتتحمل وحدها تبعة اي اخفاق او اي نجاح تحققه .
هل يبدوعامنا هذا الذي بدأنا ندرج في اولى ساعاته الان عاما استثنائيا للوطن كل المؤشرات تقول بذلك لكن ايضا فان علم الاستراتيجية يقول انه يمكننا بالادارة السليمة والارادة الحقيقية والخطط العلمية ان نحول التهديدات الى فرص خاصة والعالم مقبل على دخول لاعب سياسي جديد هو الرئيس الامريكي الجديد ترامب والذي يبدو اننا كدولة لن نختلف معه كثيرا في توجهاته السياسية وتأييده لتحجيم الدور الايراني في المنطقة وتوجهه نحو ايجاد حل مناسب للازمة السورية وان مال بعض الميل الى جانب العدو الذي ليس لنا عن صداقته بد هذه الايام واعني هنا " اسرائيل " .
اخيرا الخارطة المحلية تبدو غائمة في ظل ارتفاع وتيرة النقد الشعبي لكل شيء والخارطة الاقليمية تبدو اشد التهابا على الرغم من وجود بوادر طيبة لانهاء الازمة السورية والخارطة العالمية تشير بوضوح الى اننا امام عودة جديدة لعالم المعسكرين ولكن هذه المرة ليس المتصارعين ولكن المتفقين على تبادل الادوار لتحقيق المصالح لكل طرف والخاسر الاوحد في ظل هذا التعاطي الدولي الجديد هو الامة بكل مفرداتها واقطارها ولا نملك امام هذه الصورة الضبابية وربما السوداء الا ان نقول لم يبق في هذا الاقليم سوى هذه المملكة التي تصارع امواج متلاطمة من شتى جنباتها ولا نملك الا ان نضرع الى الله ليحفظها من كل سوء .
تابعو الأردن 24 على google news