الحراك الوطني إلى أين ؟؟
في إحدى الجلسات الممتعة مع عدد من الأصدقاء ، كان الحديث يدور ساخنا حول مقال في إحدى الصحف العربية بعنوان (بعد الأردن عن الربيع العربي) وتطرق الحديث لواقع الحراك الوطني وأسباب ضعفه مؤخرا ، وهل انطوت على الشعب المعروف بذكائه الفطري أكاذيب الحكومة وتبرير رئيسها لجريمة رفع الأسعار ، وهل تكيف الشعب مع ذلك القرار المجحف ودار الحديث عن بؤس الحال الاقتصادي وسحق كرامة المواطن الإنسانية الذي هو عنوان لكل ما تدعيه الحكومة والمعارضة على السواء ، هذا الإنسان التي سحقت كرامته وأهينت إنسانيته ، ودار الحديث في تلك الجلسة عن المواطنين البسطاء الذين جاءوا من أجل ما يسمى بالدعم من القرى والمناطق الأقل حظا الذين تكبدوا معاناة السفر للمحافظة الأم لكل منهم ، وفي بعض مناطق مثل العقبة تحديدا التي أقرب المناطق إليها تبعد 50كم ، وبعد بهدلة الدور والوصول للموظف المعني يقال للمواطن البسيط أن ابنك بالجيش أو موظفا ويعود المسكين حاملا هموم أسرته الصغيرة وأطفاله وواقع وطن فقد فيه الإنسان كل سبل العيش بحرية وكرامة إنسانية وأصبح إذا احتج متهما بمواطنته ولا يزال النظام يسجل نجاحه على حساب الوطن وثوابته المقدسة وعلى رأسها وحدته الوطنية ، حيث عزف منذ إنشاءه على وتر قضية الأصول والمنابت وليس المواطنة الحقيقية التي تعني وطنا حرا سيدا لكل أبنائه ، ولم يتوقف النظام الأردني عند ذلك الحد لتقسيم المواطنين حسب الأصول والمنابت حتى وصل التقسيم لداخل المنطقة الواحدة والعشيرة الواحدة يحدث كل هذا ولا يوجد للأسف معارضة قوية منظمة باستثناء التيار الإسلامي وهذا التيار لم يدخل المعارضة بشكل جدي إلا بعد هبة نيسان التي حصد ذلك التيار نتائجها دون أن يشارك بها أو يعتقل أحد من كوادره أو أعضائه وحصدوا النتائج لثمرة تلك الهبة بوصول عشرين نائبا منهم إلى البرلمان الحادي عشر ولم يفعلوا شيئا حتى عندما شاركوا بحكومة الأستاذ مضر بدران بخمس حقائب وزارية .
وقبل عام 1989م ، كان التيار الإسلامي من أركان النظام ومحاسيبه ومن المحطبين بحباله ، وبعد هبة نيسان المجيدة والتطورات التي حدثت في العالم بغياب الاتحاد السوفيتي وظهور عالم أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة الصهيونية وانطلاق ما يسمى بمبادرة السلام من مدريد عقب مأساة تدمير العراق ، وحدث ما نسميه بخلاف الحسابات بين الحركة الإسلامية والنظام الأردني وجرى التسابق على الحضن الأمريكي خاصة مع الأحداث الأخيرة التي يسمونها بالربيع العربي ، وقد أغرى الإسلاميون صعود نظرائهم في ليبيا ولو كان ذلك عبر دبابات الناتو وفي وتونس ومصر دون أن يقدموا في مصر بشكل خاص ثمنا لذلك وركبوا موجة الثورة دون أن يشاركوا بها حتى أثبتت نفسها وكانوا قبل ذلك يفاضون نائب الرئيس المخلوع اللواء عمر سليمان من خلف ظهر الثوار ، وفي الأردن لا يزال للنظام دور يقوم به مقبولا لدى صانع القرار الأمريكي.
والتيار الإسلامي يحاول تقديم نفسه للأمريكان كبديل مقبول ومعتدل خاصة بعد أن جففت سنوات القمع والإرهاب في الخمسون عاما الماضية ينابيع التيارات الأخرى القومية واليسارية وضعف تواجدها في الشارع لدرجة التلاشي.
في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة انتفض الشعب الأردني محتجا يطالب بالإصلاح والتغير السلمي ولانتفاضته كل ما يبررها وفي معظم المسيرات والمظاهرات كان لاشك للتيار الإسلامي الدور الأكبر في غياب القوى الأخرى المنظمة ، كما ظهر الكثير من النشطاء كأفراد دون أن نعرف أي خلفية سياسية أو فكرية لأغلبهم ، وبدلا من العمل السياسي المنظم أصبحنا نسمع عن أسماء نشطاء في غالبيتهم محترمين مناضلين أخذتهم الحماسة الثورية على ما يمر به الوطن وامتلكوا حسن النوايا دون أن يكون لديهم مرجعية سياسية ، ولو كان هناك أحزاب حقيقية لكان هؤلاء الشباب النشطاء كنزا ثمينا للوطن والأمة ، ولكن للأسف لم تستثمر نشاطات الشباب جيدا وستضيع جهودهم وسط غوغائية السلطة وأجهزتها وانتهازية الإسلاميين وعدم وضوحهم ، وكما هي العادة في المسائل الغير طبيعية يظهر الكثير من الانتهازيين والوصوليين وكتبة التقارير إياها وأصبحنا نسمع عن المعارضة خمس نجوم من أشخاص ليس لأغلبهم ماض سياسي ولا أي نشاط عام ويأتوا بسياراتهم الفارهة لتسجيل المواقف وتلميع أنفسهم وسمعت من بعضهم وكأنه يحمل الشعب جميلة خروجه للتظاهر ضد غلاء الأسعار بقول بعضهم بتبجح أن لديهم الاستعداد لشراء رغيف الخبز حتى لو وصل لــ (10) دنانير ، هؤلاء بعضهم موظفون بدوائر عامة يمثلوا من ؟ وأي جهة التي يعملوا لصالحها ؟ كلها أسئلة محيرة وليس هناك إجابة ، وآخرين من ... المعروفين في النهار معارضين وحراكيين وفي الليل مع أصحاب القرار وكتابة التقارير من خلف الأبواب المغلقة وسط هذا وذاك يعاني المواطن الأردني الكادح ويفقد إيمانه بالسلطة الحاكمة والمعارضة المستأنسة .
تصوروا أن احد الحراكات يفخر بعض أعضائه بأنهم لم تسجل عليهم مخالفة من السلطة الأمنية يعني الحيط الحيط ويا رب الستر ومع ذلك لا يوجد ستر والحيط مايل ، ومن يتابع ما تقوم به الجهات المعنية بأمن الوطن من استئجار واستعانة أصحاب السوابق والبلطجية والزعران واللصوص وتجار الممنوعات لتجعل منهم الشارع الآخر الذي يؤيد النظام ويسمى بالموالاة ، ومن يتابع ذلك لا يملك إلا أن يضع يده على قلبه من هذه الحماقة التي تقوم بها السلطة والضعف من المعارضة المستأنسة التي تفخر إحداها بأنه لم يسجل عليها مخالفة ولكنها لم تجرؤ على رفع الصوت عاليا على البلطجية والزعران الذين وصلت استفزازاتهم لدرجة اللا معقول وسط هذا وذاك تزداد الغالبية العظمى من حزب الكنبة كما يقول الأخوة المصريون احتقانا وتذمرا حيث السلطة القمعية والمعارضة المستأنسة دون المستوى المطلوب وما بينهما من الانتهازيين والوصوليين .... من كتبة التقارير الذين ينشطون كالخفافيش في الظلام في هذه الظروف .
ورغم ضبابية الصورة ولكن الفائدة الوحيدة توحيد الشارع الأردني بكل طبقاته الفكرية والسياسية خلف هدف واحد قاله كل مواطن على طريقته كفاية الوطن لم يعد يحتمل والمواطن بدأ صبره بالنفاذ، وعليه فان المرحلة لم تعد تحتمل وهذا الوعي الشعبي سيفرز آجلا أم عاجلا من يقود الوطن لشاطئ الأمان وسط هذه الأعاصير والبراكين وعلى الطريق الثالث وأقصد هنا القوة القومية واليسارية المبعثرة والغير فعالة بإعادة إنتاج ذاتها والعودة لتراثها وتجاربها وليس آخرهم التجربة الناصرية للاستفادة منها وبالتالي الخروج بالوطن من عنق الزجاجة قبل أن تتجاوز الأحداث الجميع ويأخذنا الطوفان إلى حيث المجهول .
ولا عزاء للصامتين والجالسين على قارعة الطريق في هذه الظروف الاستثنائية .
alrajeh66@yahoo.com