لا لثقافة الكراهية
يتلمس مراقبون ومتابعون للشأن الأردني المحلي، وارتباطا بملف اللاجئين السوريين في الأردن، تزايد نبرة التحريض وإشاعة أجواء الكراهية ضد التواجد السوري في المملكة، في ظل التدفق الكبير للاجئين جراء ظروف الأزمة المشتعلة في سورية. إذ يثير هذا النفس وأجواؤه المسمومة، الحزن والقلق، بل والاستغراب من دوافع الواقفين وراءه، والمدى الذي يمكن أن يجرّوا الأوضاع إليه.
لم تكن حملة الهجوم القاسية التي شنها بعض النواب في الجلسة الشهيرة لمجلس النواب قبل نحو أسبوعين، والتي خصصت للتباحث مع الحكومة في الخطط الرسمية للتعامل مع قضية اللاجئين السوريين في المملكة، سوى جانب من المشهد العام لإثارة الكراهية ضد الإخوة السوريين الذين تقطعت بهم السبل، وضاقت بهم الأرض بما رحبت، وهربوا من عنف أعمى ومجازر أوغلت فيها أطراف عديدة، رسمية ومعارضة، في سورية، المفتوحة اليوم على كل أجندات الأرض!
لا يفكر اللاجئ السوري، كما أي لاجئ في الأرض، عند لجوئه إلى خارج وطنه وبيته، إلا في النجاة له ولأسرته من القتل، والبحث عن السلامة الجسدية لأطفاله وأهل بيته. مقابل ذلك، فإن اللاجئ يدفع الكثير، نفسيا وصحيا واجتماعيا، ضريبة للجوئه القسري، ويحاول تعويضها بالصبر وحلم العودة من جهة، وبالبحث عن وسيلة مادية وعمل للتعايش مع الظرف الصعب الذي وجد فيه نفسه وأسرته.
في المقابل، يمكن تفهم حجم الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يرزح تحت نيرها غالبية الأردنيين، وحجم الضغوط الكبيرة التي يتسبب بها التدفق الكبير للجوء السوري على البنى التحتية، والخدمات الأساسية في المملكة، كما الوضع الصعب للعمالة الأردنية في سوق العمل، جراء التنافس "غير المتكافئ" مع العمالة السورية، من ناحية الاجور والظروف التي يمكن أن يقبلها اللاجئ السوري للظفر بفرصة عمل.
ويفاقم من وطأة تداعيات أزمة اللجوء السوري إلى المملكة، عدم ارتقاء حجم المساعدات الدولية والعربية إلى مستوى الأعباء التي يتحملها الأردن، بموارده المحدودة، وأزمته الاقتصادية الخانقة. كل ذلك في ظل توقعات وتقديرات بامتداد الأزمة السورية زمنيا بدون حسم أو حل، ما يتوقع معه تضخم أعداد اللاجئين إلى دول الجوار، وعلى رأسها الأردن، وبما يرفع عدد اللاجئين لدينا، مع نهاية العام، إلى أكثر من مليون لاجئ.
وطأة كل ذلك على الأردنيين يمكن تفهمها، لكنها لا تبرر لقلة من الناس الحديث بشوفينية مقيتة عن اللاجئين السوريين أو غيرهم، ولا سيادة خطاب الكراهية والتحريض ضدهم؛ لا من ناحية مبدئية وإنسانية، ولا من ناحية عروبية وإسلامية ووطنية أردنية.
وللأسف، فان الأكثر سلبية وتأثيرا اليوم هي مواقف وآراء بعض النخب، ليس فقط النيابية والسياسية، بل أيضا الإعلامية والصحفية، من تلك التي تمتلك منابر إعلامية، وتسهم، بصورة مباشرة ومقصودة أحيانا، وبصورة غير مباشرة أحيان أخرى، في تغذية خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين، وفي تكريس لغة الإقصاء والرفض ضدهم، استنادا إلى مبررات وتفسيرات يراد لها أن تكون واقعية، من قبيل ضعف إمكانات وموارد الأردن، وظروفه الاقتصادية والاجتماعية، فيما يقفز بعض آخر إلى ربط هذا الخطاب الشوفيني العنصري بموقفه السياسي من الأزمة السورية، بهذا الاتجاه أو ذاك!
تكريس خطاب الكراهية وإشاعة أجوائها، خطر ويجر عواقب وخيمة على الجميع، تماما كما هو أمر مرفوض أخلاقيا وإنسانيا وعروبيا.
majed.toba@alghad.jo