الأزمة مع المعارضة: غيوم التأزيم تتلبد!
تعود غيوم التأزيم للتكاثف والتلبد في سماء العلاقة بين الحكومة وبين الحركة الإسلامية وعدد من الحراكات الشعبية، على إثر الأحداث المؤسفة في إربد يوم الجمعة الماضي، وبعد فض مسيرتها الأسبوعية بالقوة، خروجا عن مألوف التعامل الرسمي مع المسيرات الأسبوعية للحراكات.
أحداث إربد تبعتها حالة تحشيد وتعبئة رسمية وإعلامية واضحة ضد الحركة الإسلامية، وتشكيك في أهدافها ومراميها، بلغة وخطاب كنا افتقدناهما، والحمد لله، منذ عدة أشهر! فيما تلوح الحركة، وحلفاؤها من حراكات، بالتصعيد في الشارع، مستهلة ذلك باعتصام جاء متواضعا في منطقة الدوار الرابع يوم السبت، وإعلان "طارئ" عن مسيرة "حاشدة" في عمان يوم الجمعة المقبل، ردا على "القمع" في إربد.
منذ انتهاء الانتخابات النيابية الأخيرة قبل أكثر من شهرين، ورغم حالة القطيعة بين الإسلاميين وبين الجانب الرسمي، ورفض الحركة والمعارضة الاعتراف بشرعية الانتخابات وما أفرزته من مجلس نيابي، فإن العلاقة بين الطرفين (الحكومة والإسلاميين) بقيت في مرحلة السكون، أو بالأحرى ما يمكن تسميتها مرحلة "الصراع البارد"، أو "اللاحرب واللاسلم"، قبل أن تعود وتنفجر الأزمة الأخيرة، مهددة بتصعيد أكبر، والدخول في نفق جديد من التأزيم المكلف للجميع.
ورغم قساوة المشهد في إربد، واستنكاره، فإنه يمكن القول إن الوصول إلى هذه النتيجة لم يكن مستغربا، ولا أمرا خارج سياق الأزمة "الساكنة". فالاحتقان السياسي بين المعارضة والحكومة موجود، وحالة القطيعة السياسية بين الطرفين قائمة، فيما أخفقنا في الوصول إلى استحقاق التوافق الوطني على الخطوط العامة للمرحلة، ووصفة الخروج من الأزمة العامة، خلال محطة الانتخابات النيابية الأخيرة، ما رحّل المشكلة فقط!
ومما كرس هذه الأجواء المحتقنة والقابلة للاشتعال في أي لحظة بين المعارضة في الشارع والحكومة، الدور المحايد (حتى الآن) لمجلس النواب الجديد، وعزوفه، أو بالأحرى عدم قدرته وأهليته سياسيا، كما يبدو، للدخول على خط الأزمة "الساكنة" بين الحكومة وبين الحركة الإسلامية والمعارضة، وقيادة نوع من المبادرة السياسية التي يمكن لها أن تجسّر وتمهد الطريق للبحث عن التوافق الوطني.
مجلس النواب يبدو غارقا، منذ انطلاق أعماله، في ضعفه ومشاكله البنيوية، في ظل إعادة إنتاج الانتخابات الأخيرة وقانونها المشوه، لذات المخرجات النيابية تقريبا؛ برلمان فاقد للدسم السياسي، مشوه في كتله، تطغى على أداء نوابه الفردية وغياب العمق والخبرة السياسية، مشتت في أكثر من ملف ثانوي وغير جوهري. بل ولم يبادر المجلس حتى الآن إلى البحث عن مبادرة وطنية حقيقية وجادة لحوار وطني، تكون مهمته بصورة رئيسة التأسيس لتوافقات وطنية عامة، للخروج من عنق الزجاجة!
من على هذه الأرضية يمكن فهم أسباب الوصول إلى صدام إربد. ويمكن أيضا توقع مزيد من التأزيم والصدامات، لا سمح الله. فغياب الأفق السياسي، وعدم وجود مسارب للحوار والالتقاء بين الفرقاء السياسيين، سيتركان المجال مفتوحا للاحتكاكات والانفجارات والصدامات.
حجم التباينات والخلافات السياسية بين الجانب الرسمي والمعارضة، الإسلامية وغيرها، يبدو كبيرا بلا شك، خاصة بعد تعمقها على خلفية مقاطعة الانتخابات النيابية الأخيرة. لكن ذلك لا يمكن أن يمنع طرح مبادرة سياسية، تجمع الفرقاء على طاولة حوار وطني، لترسيم خريطة طريق توافقية للخروج من عنق الزجاجة.
هذا الأمر ممكن ومتاح، لكن وفق شرطين: الأول، توفر القناعة والوعي لدى الأطراف المختلفة بحجم أزمة غياب التوافق، وخطورة استمراره. والثاني، توفر النوايا والإرادة الحقيقية للبحث عن مخارج توافقية لهذه الأزمة.
majed.toba@alghad.jo