حكومة ما بعد الثقة!
جميل النمري
جو 24 : يبدو أن الأمور ستمشي بالمقلوب؛ أي منح الثقة، ثم العمل على تشكيل الحكومة البرلمانية، وذلك تجاوبا مع المبادرة المطروحة، وهي القيام بتعديل واسع على الحكومة الحالية، يجري بالتفاهم والتوافق مع عدد من الكتل النيابية.
وقد كانت المبادرة تطلب إعادة النظر في التشكيل الحكومي القائم باتجاه توسعة الفريق الوزاري بكفاءات سياسية ومهنية، وتعديل بعض الحقائب بالتوافق مع النواب، من أجل توفير أغلبية نيابية تستند إليها الحكومة لتنفيذ برنامج إصلاح سياسي واقتصادي شامل. لكن رئيس الوزراء، د. عبدالله النسور، طلب أن تتم هذه العملية بعد تصويت الثقة وليس قبلا؛ إذ ضاق الوقت كثيراً لكي يتمكن عدد كاف من الكتل النيابية من التفاهم على صيغة وبرنامج يأخذ بهما النسور الآن.
يفترض، طبعا، أن يحصل الرئيس على الثقة لكي يتمكن من القيام بإعادة التشكيل، وهو الأمر الذي بدا خلال اليومين الماضيين غير مؤكد أبدا. لكن قد يكون وجود المبادرة في الأفق، والتزام الرئيس بها في رده على مناقشات الثقة، عاملا مساعدا يوفر له المزيد من الأصوات الضرورية لتجاوز حاجز الثقة. إذ إن التزامه بالعودة إلى النواب وتعهده لهم بالتشاور والاتفاق على شكل وحجم التعديل على الحكومة، قد يكون مقنعا لمزيد من النواب بإعطاء الثقة، ليبدأ على مهل وبدون ضغط من الوقت في التفاهم على تعديل واسع، وبمشاركة محتملة من النواب إذا أرادوا ذلك، يفضي إلى حكومة قوية ومقنعة، تحمل برنامجا شعبيا يمثل الأغلبية النيابية الداعمة للحكومة، ويحمل معنى الشروع في ثورة بيضاء للإصلاح والقضاء على الفساد.
بهذا المعنى يكون التصويت على الثقة هو تصويت على الحكومة الموعودة بعد التعديل، وليس الحكومة الحالية المختصرة التي شكلها الرئيس بعيدا عن النواب. لكن السؤال الذي يطرح نفسه والحالة هذه: لماذا لم يتم الأمر ابتداءً عندما كان الرئيس يدخل في لقاءات ماراثونية مع النواب؟ والجواب ببساطة، هو أن الطرفين لم ينجحا في إنجاز الهدف بسبب حداثة التجربة. فقد دخل الطرفان اللقاءات السابقة بدون أي تصور مسبق لآلية الوصول إلى الهدف المنشود، وفشلا خلال الفترة القصيرة المتاحة في إنجاز حكومة يشارك النواب فعليا في تشكيلها، فقام الرئيس مضطرا بهذه العملية. لكن في وضع مريح خارج ضغط الوقت ومساومات الثقة، قد يكون ممكنا للطرفين؛ الرئيس والكتل، البحث بتبصر، وتصميم خريطة طريق لبناء الحكومة البرلمانية العتيدة، المستندة إلى أغلبية نيابية موثوقة ودائمة، للقيام بالأعباء الهائلة الملقاة على عاتقها للمرحلة المقبلة.
هذه المقاربة قد لا تكون مقنعة لعدد واسع من النواب، بمن في ذلك أغلبية الكتلة التي طرحت هي نفسها المبادرة، وأقصد كتلة التجمع الديمقراطي، والتي اشترطت الاتفاق على البرنامج والتعديل الوزاري قبل الثقة وليس بعدها. وثمة أوساط أخرى لا تريد أساسا النجاح للرئيس؛ فهي منذ البداية لم تنسب باسمه، وتبرز من هذا الوسط قوى شد عكسي ليس هاجسها الإصلاح والتغيير، بل العكس تماما. وسنرى مفارقة ملفتة بوقوف اتجاهين نقيضين على جبهة الحجب؛ أي جزء من اليسار وجزء من اليمين، سيذهبان إلى الحجب كل لأسباب نقيضة للطرف الآخر.
وإذا أخذنا بظاهر ما نراه الآن، فإن الموقف يتأرجح بصورة دقيقة بين معسكري الحجب والثقة، وسيكون الحسم على يد عدد لا يتجاوز أصابع اليدين من الأصوات المترددة. وقد يصبح العامل الحاسم في انحياز هؤلاء للثقة هو الخوف من تداعيات سقوط الحكومة، وربما أيضاً قدرة الرئيس على الإقناع بجديته وإخلاصه لمشروع الحكومة البرلمانية المقبلة الملتزمة بإرادة الأغلبية النيابية.
jamil.nimri@alghad.jo
(الغد)
وقد كانت المبادرة تطلب إعادة النظر في التشكيل الحكومي القائم باتجاه توسعة الفريق الوزاري بكفاءات سياسية ومهنية، وتعديل بعض الحقائب بالتوافق مع النواب، من أجل توفير أغلبية نيابية تستند إليها الحكومة لتنفيذ برنامج إصلاح سياسي واقتصادي شامل. لكن رئيس الوزراء، د. عبدالله النسور، طلب أن تتم هذه العملية بعد تصويت الثقة وليس قبلا؛ إذ ضاق الوقت كثيراً لكي يتمكن عدد كاف من الكتل النيابية من التفاهم على صيغة وبرنامج يأخذ بهما النسور الآن.
يفترض، طبعا، أن يحصل الرئيس على الثقة لكي يتمكن من القيام بإعادة التشكيل، وهو الأمر الذي بدا خلال اليومين الماضيين غير مؤكد أبدا. لكن قد يكون وجود المبادرة في الأفق، والتزام الرئيس بها في رده على مناقشات الثقة، عاملا مساعدا يوفر له المزيد من الأصوات الضرورية لتجاوز حاجز الثقة. إذ إن التزامه بالعودة إلى النواب وتعهده لهم بالتشاور والاتفاق على شكل وحجم التعديل على الحكومة، قد يكون مقنعا لمزيد من النواب بإعطاء الثقة، ليبدأ على مهل وبدون ضغط من الوقت في التفاهم على تعديل واسع، وبمشاركة محتملة من النواب إذا أرادوا ذلك، يفضي إلى حكومة قوية ومقنعة، تحمل برنامجا شعبيا يمثل الأغلبية النيابية الداعمة للحكومة، ويحمل معنى الشروع في ثورة بيضاء للإصلاح والقضاء على الفساد.
بهذا المعنى يكون التصويت على الثقة هو تصويت على الحكومة الموعودة بعد التعديل، وليس الحكومة الحالية المختصرة التي شكلها الرئيس بعيدا عن النواب. لكن السؤال الذي يطرح نفسه والحالة هذه: لماذا لم يتم الأمر ابتداءً عندما كان الرئيس يدخل في لقاءات ماراثونية مع النواب؟ والجواب ببساطة، هو أن الطرفين لم ينجحا في إنجاز الهدف بسبب حداثة التجربة. فقد دخل الطرفان اللقاءات السابقة بدون أي تصور مسبق لآلية الوصول إلى الهدف المنشود، وفشلا خلال الفترة القصيرة المتاحة في إنجاز حكومة يشارك النواب فعليا في تشكيلها، فقام الرئيس مضطرا بهذه العملية. لكن في وضع مريح خارج ضغط الوقت ومساومات الثقة، قد يكون ممكنا للطرفين؛ الرئيس والكتل، البحث بتبصر، وتصميم خريطة طريق لبناء الحكومة البرلمانية العتيدة، المستندة إلى أغلبية نيابية موثوقة ودائمة، للقيام بالأعباء الهائلة الملقاة على عاتقها للمرحلة المقبلة.
هذه المقاربة قد لا تكون مقنعة لعدد واسع من النواب، بمن في ذلك أغلبية الكتلة التي طرحت هي نفسها المبادرة، وأقصد كتلة التجمع الديمقراطي، والتي اشترطت الاتفاق على البرنامج والتعديل الوزاري قبل الثقة وليس بعدها. وثمة أوساط أخرى لا تريد أساسا النجاح للرئيس؛ فهي منذ البداية لم تنسب باسمه، وتبرز من هذا الوسط قوى شد عكسي ليس هاجسها الإصلاح والتغيير، بل العكس تماما. وسنرى مفارقة ملفتة بوقوف اتجاهين نقيضين على جبهة الحجب؛ أي جزء من اليسار وجزء من اليمين، سيذهبان إلى الحجب كل لأسباب نقيضة للطرف الآخر.
وإذا أخذنا بظاهر ما نراه الآن، فإن الموقف يتأرجح بصورة دقيقة بين معسكري الحجب والثقة، وسيكون الحسم على يد عدد لا يتجاوز أصابع اليدين من الأصوات المترددة. وقد يصبح العامل الحاسم في انحياز هؤلاء للثقة هو الخوف من تداعيات سقوط الحكومة، وربما أيضاً قدرة الرئيس على الإقناع بجديته وإخلاصه لمشروع الحكومة البرلمانية المقبلة الملتزمة بإرادة الأغلبية النيابية.
jamil.nimri@alghad.jo
(الغد)