إجراءات عملية وبرنامج ملموس لتدارك التدهور
جميل النمري
جو 24 : لم يعد مقبولا أبدا التقاعس. فمنذ سنوات، ننخرط في حوارات وورش عمل وتحليلات، لمعالجة العنف المجتمعي، ثم لا يحدث شيء يؤدي إلى عكس المسار باتجاه بناء المجتمع المتحضر، ودولة المؤسسات والقانون. وغالبا ما نعود بخياراتنا السياسية إلى المربع الأول، كما حصل مع قانون الانتخاب. وفي حادثة جامعة الحسين في معان، رأينا كيف ينتقل الواقع الثقافي والقيمي من المجتمع إلى الجامعات، فيفجر العنف الذي يعود من الجامعات إلى المجتمع. ولا بأس الآن من كل أنواع التدخل العشائري لوأد الفتنة، لكن سنكون غدا أمام سؤال: إلى أين نسير؟!
إن الدولة كلها تنجرف نحو الاستسلام لحالة غير صحيحة وغير صحية من التساوق مع الردة الثقافية الاجتماعية. والدولة مارست هذا التساوق في الماضي ليس من موقع الضعف والعجز، بل لأسباب سياسية معلومة، لكنها الآن ضحية حقيقية لهذا الواقع الذي أصبح أقوى منها. فهيبة العشيرة وسطوتها لهما الأولوية المطلقة في عيون أبنائها، وتكون على المحك كل ساعة في كل مكان، حتى في تجاوز سيارة لأخرى على الطريق. وقد حان الوقت لكي نحزم أمرنا ونحسم قرارنا! فلا وجود لأنصاف الحلول والمعالجات المجزوءة؛ وقد جربنا ذلك ووجدنا أنفسنا باستمرار نتدحرج إلى الأسوأ. ولا أدري أين في العالم يدخل نواب إلى تحت القبة أو إلى استوديو التلفزيون وهم يتمنطقون بمسدساتهم!
في ردة فعل فورية، وقع عشرون نائبا، أول من أمس، مذكرة تطلب العودة إلى خدمة العلم بالصيغة العسكرية والمدنية. وهو مقترح خلافي؛ إذ ثمة اجتهادات تشكك في جدواه، وأخرى تتخوف من الكلفة المادية. لكنني وكثيرين، مقتنعون بأنه الرد العملي الأفضل لمواجهة العنف الجامعي والمجتمعي. والقيمة السياسية والاجتماعية للمشروع تجعله أقل كلفة بما لا يقاس من الثمن الفادح لاستمرار المسار الراهن، إذ نرى حالة التشظي المجتمعي، وثقافة الاستقواء الجهوي والعشائري والعائلي، تهددان بالقضاء على الإصلاح. ولعل خدمة العلم هي الصيغة المبكرة الوحيدة لتدريب الشباب على الخضوع للقانون ولسلطة واحدة، يتساوى الجميع أمامهما من أي منطقة أو عشيرة أو فئة أو عائلة أو مستوى.
وخدمة العلم بديل جيد للعقوبات على الطلبة الذين يدخلون في مشاجرات جامعية. فعندما تتشدد الجامعة وتصدر قرارا بالفصل النهائي أو المؤقت، يتساءل المرء: ما هو الإنجاز في رمي طالب إلى البطالة لعدة فصول دراسية أو نهائيا. واقترحت مرة على رئيس جامعة اليرموك استبدال الفصل من الدراسة بخدمة مجتمعية داخل الجامعة أو خارجها، فرد متسائلا: بأي قوة نطبق على طالب الالتزام بكنس الشوارع في الجامعة، وهو منفوخ بذاته يضرب الذبابة بطلقة إن مرت تحت أنفه؟ نعم، يمكن أن نعيد خدمة العلم، ولو جزئيا، من أجل هذه القضية فقط.
خدمة العلم يمكن أن تؤجَل لكل شخص على رأس عمله أو دراسته، والباقي يؤدونها لعام أو عامين. بل ويمكن أن يُسمح لكل من يجد عملا أثناء خدمة العلم تأجيل الفترة المتبقية عليه. وهكذا، فإن خدمة العلم تسعف المجتمع بتدارك المشاكل الثانوية الخطيرة الناجمة عن تعطل الشباب الجامعي وغير الجامعي، وتفشي ثقافة العيب والترفع عن العمل اليدوي، إلى جانب انخراط الشباب من كل الأوساط والفئات والجهات في التعايش مع بعضهم بعضا تحت نفس الظروف، واستعادة قيم الالتزام والمسؤولية والمساواة والمواطنة. وهذا تعليم بالممارسة، بدل دروس الثقافة الوطنية الإنشائية الفارغة. (الغد)
jamil.nimri@alghad.jo
إن الدولة كلها تنجرف نحو الاستسلام لحالة غير صحيحة وغير صحية من التساوق مع الردة الثقافية الاجتماعية. والدولة مارست هذا التساوق في الماضي ليس من موقع الضعف والعجز، بل لأسباب سياسية معلومة، لكنها الآن ضحية حقيقية لهذا الواقع الذي أصبح أقوى منها. فهيبة العشيرة وسطوتها لهما الأولوية المطلقة في عيون أبنائها، وتكون على المحك كل ساعة في كل مكان، حتى في تجاوز سيارة لأخرى على الطريق. وقد حان الوقت لكي نحزم أمرنا ونحسم قرارنا! فلا وجود لأنصاف الحلول والمعالجات المجزوءة؛ وقد جربنا ذلك ووجدنا أنفسنا باستمرار نتدحرج إلى الأسوأ. ولا أدري أين في العالم يدخل نواب إلى تحت القبة أو إلى استوديو التلفزيون وهم يتمنطقون بمسدساتهم!
في ردة فعل فورية، وقع عشرون نائبا، أول من أمس، مذكرة تطلب العودة إلى خدمة العلم بالصيغة العسكرية والمدنية. وهو مقترح خلافي؛ إذ ثمة اجتهادات تشكك في جدواه، وأخرى تتخوف من الكلفة المادية. لكنني وكثيرين، مقتنعون بأنه الرد العملي الأفضل لمواجهة العنف الجامعي والمجتمعي. والقيمة السياسية والاجتماعية للمشروع تجعله أقل كلفة بما لا يقاس من الثمن الفادح لاستمرار المسار الراهن، إذ نرى حالة التشظي المجتمعي، وثقافة الاستقواء الجهوي والعشائري والعائلي، تهددان بالقضاء على الإصلاح. ولعل خدمة العلم هي الصيغة المبكرة الوحيدة لتدريب الشباب على الخضوع للقانون ولسلطة واحدة، يتساوى الجميع أمامهما من أي منطقة أو عشيرة أو فئة أو عائلة أو مستوى.
وخدمة العلم بديل جيد للعقوبات على الطلبة الذين يدخلون في مشاجرات جامعية. فعندما تتشدد الجامعة وتصدر قرارا بالفصل النهائي أو المؤقت، يتساءل المرء: ما هو الإنجاز في رمي طالب إلى البطالة لعدة فصول دراسية أو نهائيا. واقترحت مرة على رئيس جامعة اليرموك استبدال الفصل من الدراسة بخدمة مجتمعية داخل الجامعة أو خارجها، فرد متسائلا: بأي قوة نطبق على طالب الالتزام بكنس الشوارع في الجامعة، وهو منفوخ بذاته يضرب الذبابة بطلقة إن مرت تحت أنفه؟ نعم، يمكن أن نعيد خدمة العلم، ولو جزئيا، من أجل هذه القضية فقط.
خدمة العلم يمكن أن تؤجَل لكل شخص على رأس عمله أو دراسته، والباقي يؤدونها لعام أو عامين. بل ويمكن أن يُسمح لكل من يجد عملا أثناء خدمة العلم تأجيل الفترة المتبقية عليه. وهكذا، فإن خدمة العلم تسعف المجتمع بتدارك المشاكل الثانوية الخطيرة الناجمة عن تعطل الشباب الجامعي وغير الجامعي، وتفشي ثقافة العيب والترفع عن العمل اليدوي، إلى جانب انخراط الشباب من كل الأوساط والفئات والجهات في التعايش مع بعضهم بعضا تحت نفس الظروف، واستعادة قيم الالتزام والمسؤولية والمساواة والمواطنة. وهذا تعليم بالممارسة، بدل دروس الثقافة الوطنية الإنشائية الفارغة. (الغد)
jamil.nimri@alghad.jo