مرسي مات .. وانتهت مرحلة غريبة في زمن عربي أكثر غرابة!
نشأت الحلبي
جو 24 :
لا بوادر لاحتجاجات أو ثورة ..
.. طارق الطيب بن محمد البوعزيزي أشعل تونس بعد أن حرق نفسه احتجاجا على صفعة من شرطية أرادت أن تمنعه من البيع على بسطة ..
كان ذلك في السابع عشر من كانون الأول العام 2010 .. وفي بلدة لم يسمع بها من قبل أحد تدعى سيدي بو زيد ..
.. رحل أو "هرب"، أول رئيس عربي على وقع إحتجاجات كانت فريدة من نوعها .. وكان ذلك في الرابع عشر من ذات الشهر ..
لم يلبث الأمر كثيرا حتى بات الربيع يضرب أكثر من بلد بعد أن استلهمت الشعوب تجربة تونس ورددت ذات الشعار .. "إرحل" ..
كانت مصر تنام وتصحى على أنباء تتحدث عن نية الرئيس حسني مبارك توريث الحكم لإبنه "جمال" ..
كل شئ كان "مطبوخا" وجاهزا ..
وفجأة .. وعلى حين غفلة من السلطة تجمعت الحشود في وسط القاهرة .. وتحديدا في ميدان التحرير ..
كانت تلك نواة ما عرف بثورة 25 يناير من العام 2011 ..
لم تبرح الجماهير المكان ..
أصبح ميدان التحرير مكانا للعيش والإقامة .. والناس تؤكد : لا رحيل قبل الرحيل ..
أنظار العرب والعالم كانت تتجه للقاهرة . كيف لا .. فهذه مصر .. الكبيرة ..
دخلت الحكومة بكل أجهزتها في حوارات مع الثوار .. ولم تنجح كل المحاولات بدءا من تعيين نائب الرئيس وهو مدير المخابرات حينها عمر سليمان، وانتهاء بتغيير الحكومة ..
.. مطلب الناس كان واضحا .. رحيل النظام بأكمله ..
كانت "واقعة الجمل" الشهيرة مفصلية .. وسالت الدماء في الميدان!
تنحى الرئيس .. واستلم العسكر مقاليد حكم مؤقت وكان على رأسه المشير محمد طنطاوي ..
نظمت انتخابات رئاسية كانت هي الأولى من نوعها بمصر ..
فمنذ ثورة عبدالناصر، لم تعرف مصر رئيسا إلا من الجيش .. محمد أنور السادات إلى حسني مبارك بعد اغتيال الرئيس في حفل عسكري ..
الانتخابات حملت الإخوان المسلمين، تلك الجماعة التي كانت محظورة إلى وقت قرب، لسدة الحكم ..
الأوراق كلها اختلطت في المنطقة وخصوصا في إسرائيل ..
وفي الأثناء زاد حجم الحريق في سيناء وانشغل الرئيس بالحرب الطاحنة هناك ..
وأيضا اشتغلت غزة وزاد عليها العدوان ..
كان مرسي ينظم أمور الحكومة، وعين الجنرال عبدالفتاح السيسي وزيرا للدفاع .. هذه الحقيبة السيادية الأهم في تلك الظروف ..
اصطدم الجيش بالإخوان .. بصمت ..
لم يشعر أحد أن هناك ثمة أزمة خفية تدمر بقوة ..
بعد خطاب شهير لمرسي، انقلب السيسي على النظام الجديد واحتجز الرئيس ..
كان ذلك في 3 تموز 2013 .. وعين السيسي حينها رئيسا مؤقتا هو عدلي منصور ..
أحداث العنف في مصر تفرقت في أكثر من مكان، لكنها لم تنزلق لحرب أهلية ..
جاء بعد ذلك الحدث الأخطر وهو ما عرف بفض رابعة حيث قامت قوات الأمن بتفريق الإخوان المسلمين والمؤيدين لمرسي من اعتصامهم الكبير في ساحة مسجد رابعة العدوية في القاهرة وكان ذلك في 17 آب 2013 ..
عمليا، انتهت جماعة الإخوان المسلمين في مصر بعد أن حملتها الصدفة للحكم، فلم يكن هناك من حزب سياسي منظم قادر على حمل السلطة غيرها حتى تلك الأحزاب المصرية العريقة مثل حزب الوفد الذي لم يبق منه شيئا غير الاسم، ولعل هذه كانت غلطة نظام مبارك الذي أجهز على كل الأحزاب ليبقى الحزب الوطني الحاكم متصدرا ..
ما زاد في معاناة الإسلام السياسي الذي انتعش أساسا في مصر بعد حسن البنا وسيد قطب وأتباعهم، هو اندلاع ثورة عنيفة في سوريا وليبيا وحتى العراق وتصدر الإسلاميين مشاهد الدم في كل الدنيا وظهور تلك الصور والفيديوهات للنحر والقتل الوحشي خصوصا على يد "داعش" الذي زاد من رقعة العداء للإسلاميين على طول الأرض وعرضها خصوصا بعد تبني عمليات إرهابية في شتى بقاع العالم ..
أزمة مصر لم تقف عند حدودها فحسب، لكنها ضربت في عواصم عربية أخرى، فثمة تسابق على "اللقمة" الأكبر أحدث شرخا كبيرا في المنظومة العربية التي طالما كانت أساسا هشة ..
مرسي مات .. وبموته انتهت حقبة غريبة في زمن عربي أكثر غرابة ..