الخروج من مأزق توزير النواب
جميل النمري
جو 24 : أغلق جلالة الملك ملف توزير النواب، فأراح الجميع؛ بلدا وحكومة ونوابا. طبعا، لم يقرر جلالته شيئا، بل دعا النواب بلباقة إلى التفكير في هذه القضية، والتركيز أولا على إنجاز الإصلاح الداخلي للمجلس؛ بتغيير النظام الداخلي، ومأسسة الكتل النيابية وآليات العمل داخل المجلس وفي العلاقه مع الحكومة.
وكان بعض النواب قد تمنوا لو أن المجلس بادر أولا إلى إعلان هذا الموقف من أجل تحسين سمعته لدى الرأي العام الذي يقف بأغلبيته ضد توزير النواب. ومع ذلك لم يفت الوقت بعد؛ فالملك عبّر عن رأي يقول بالتدرج في تطبيق مفهوم الحكومة البرلمانية، بالتوازي مع تطوير آليات عمل مجلس النواب، والقرار في النهاية للحكومة والنواب، وليس هناك ما يمنع صدور رأي نيابي إجماعي يقول باستمرار الفصل بين النيابة والوزارة في هذه المرحلة.
الحقيقة أن التعديل الوزاري لإدخال النواب في الحكومة كان بمثابة كابوس يجثم على صدر الجميع؛ فالرأي العام كان ينظر بتشكك وتخوف لهذه التجربة، ورئيس الوزراء، د.عبدالله النسور، كان بين مطرقة الوعد الذي قدمه بإشراك النواب، وسندان المحاذير الماثلة، وليس أقلها احتمال أن تنقلب العملية وبالاً على الحكومة، بإغضاب العدد الوافر من النواب الذين لم تشملهم المشاركة، أو الغضب لمجرد أنها شملت أناسا بعينهم، وهذا في ظل وضع الكتل العاجز عن فرز وزراء أو قبول من يختارهم الرئيس.
في الواقع أن الرئيس النسور كان قد أصبح في وضع مستحيل؛ فهو إذا أخذ نوابا للحكومة، سيقول خصومه إنه ينفذ وعودا قدمها لشراء الثقة. وإذا لم يأخذ النواب، سيقال إنه مارس الخديعة، وضحك على النواب؛ فأخذ ثقتهم وأخلف وعده بتوزيرهم.
والحقيقة أنني شخصيا، وأغلبية في كتلتي، كنا نرى المحاذير منذ البداية، وأخذنا موقفا رسميا تم إبلاغه للرئيس في كل مرة التقيناه فيها بلا استثناء، بأننا مع استمرار الفصل بين النيابة والوزارة في المرحلة الحالية، وإلى حين تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب، ومأسسة العمل الكتلوي، وضمان الالتزام الجماعي بالقرارات وآليات العمل السياسي، والانتهاء من الفردية القاتلة في عمل المجلس. لكن يبدو أن الرئيس ظل يعتقد أن النواب بأغلبيتهم يحبذون التوزير، وأن إشراكهم يقوي حكومته، وأن الوعد بذلك سيقوي موقف الحكومة. وقد قام بتقريب موعد التعديل في ضوء لقاءات الساعة الأخيرة مع كتل عشية التصويت على الثقة، وهو حتى ساعة التصويت -حسب علمي ومعرفتي- لم يقدم أي وعود شخصية لأي نائب، ولم يخرج عن المبدأ العام الذي قال به وأكده في خطاب الثقة: بمباشرة الحوار مع الكتل بصورة مؤسسية لإشراك النواب في الحكومة.
قلنا إن طي ملف التوزير الفوري للنواب أراح الجميع، لكنه يضع الرئيس في حيرة إزاء القرار التالي: هل يوسع حكومته الآن بوزراء جدد من غير النواب، أم يستمر بحكومته المصغرة حتى بداية الدورة العادية المقبلة للمجلس؟
سوف تتفاوت الاجتهادات. وهناك رأي بأن الاستمرار بتحميل وزراء أكثر من حقيبة رئيسة لأشهر مقبلة ليس جيدا أبدا؛ فهناك ملفات ثقيلة للإصلاح يجب المباشرة بها، وتحتاج إلى وزراء أقوياء سياسيا ومهنيا لتعزيز أداء الحكومة. وإذا أخذ الرئيس بوجهة النظر هذه، فيجب عليه أن يحرص بقوة على إشراك النواب عبر كتلهم بصورة فعلية، بتبادل الرأي حول الأسماء والتوافق عليها، بما في ذلك استغلال الفرصة لسماع رأي النواب حول إجراء مناقلات وتبديل بعض الحقائب.
jamil.nimri@alghad.jo
(الغد)
وكان بعض النواب قد تمنوا لو أن المجلس بادر أولا إلى إعلان هذا الموقف من أجل تحسين سمعته لدى الرأي العام الذي يقف بأغلبيته ضد توزير النواب. ومع ذلك لم يفت الوقت بعد؛ فالملك عبّر عن رأي يقول بالتدرج في تطبيق مفهوم الحكومة البرلمانية، بالتوازي مع تطوير آليات عمل مجلس النواب، والقرار في النهاية للحكومة والنواب، وليس هناك ما يمنع صدور رأي نيابي إجماعي يقول باستمرار الفصل بين النيابة والوزارة في هذه المرحلة.
الحقيقة أن التعديل الوزاري لإدخال النواب في الحكومة كان بمثابة كابوس يجثم على صدر الجميع؛ فالرأي العام كان ينظر بتشكك وتخوف لهذه التجربة، ورئيس الوزراء، د.عبدالله النسور، كان بين مطرقة الوعد الذي قدمه بإشراك النواب، وسندان المحاذير الماثلة، وليس أقلها احتمال أن تنقلب العملية وبالاً على الحكومة، بإغضاب العدد الوافر من النواب الذين لم تشملهم المشاركة، أو الغضب لمجرد أنها شملت أناسا بعينهم، وهذا في ظل وضع الكتل العاجز عن فرز وزراء أو قبول من يختارهم الرئيس.
في الواقع أن الرئيس النسور كان قد أصبح في وضع مستحيل؛ فهو إذا أخذ نوابا للحكومة، سيقول خصومه إنه ينفذ وعودا قدمها لشراء الثقة. وإذا لم يأخذ النواب، سيقال إنه مارس الخديعة، وضحك على النواب؛ فأخذ ثقتهم وأخلف وعده بتوزيرهم.
والحقيقة أنني شخصيا، وأغلبية في كتلتي، كنا نرى المحاذير منذ البداية، وأخذنا موقفا رسميا تم إبلاغه للرئيس في كل مرة التقيناه فيها بلا استثناء، بأننا مع استمرار الفصل بين النيابة والوزارة في المرحلة الحالية، وإلى حين تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب، ومأسسة العمل الكتلوي، وضمان الالتزام الجماعي بالقرارات وآليات العمل السياسي، والانتهاء من الفردية القاتلة في عمل المجلس. لكن يبدو أن الرئيس ظل يعتقد أن النواب بأغلبيتهم يحبذون التوزير، وأن إشراكهم يقوي حكومته، وأن الوعد بذلك سيقوي موقف الحكومة. وقد قام بتقريب موعد التعديل في ضوء لقاءات الساعة الأخيرة مع كتل عشية التصويت على الثقة، وهو حتى ساعة التصويت -حسب علمي ومعرفتي- لم يقدم أي وعود شخصية لأي نائب، ولم يخرج عن المبدأ العام الذي قال به وأكده في خطاب الثقة: بمباشرة الحوار مع الكتل بصورة مؤسسية لإشراك النواب في الحكومة.
قلنا إن طي ملف التوزير الفوري للنواب أراح الجميع، لكنه يضع الرئيس في حيرة إزاء القرار التالي: هل يوسع حكومته الآن بوزراء جدد من غير النواب، أم يستمر بحكومته المصغرة حتى بداية الدورة العادية المقبلة للمجلس؟
سوف تتفاوت الاجتهادات. وهناك رأي بأن الاستمرار بتحميل وزراء أكثر من حقيبة رئيسة لأشهر مقبلة ليس جيدا أبدا؛ فهناك ملفات ثقيلة للإصلاح يجب المباشرة بها، وتحتاج إلى وزراء أقوياء سياسيا ومهنيا لتعزيز أداء الحكومة. وإذا أخذ الرئيس بوجهة النظر هذه، فيجب عليه أن يحرص بقوة على إشراك النواب عبر كتلهم بصورة فعلية، بتبادل الرأي حول الأسماء والتوافق عليها، بما في ذلك استغلال الفرصة لسماع رأي النواب حول إجراء مناقلات وتبديل بعض الحقائب.
jamil.nimri@alghad.jo
(الغد)