ابن خلدون ونقض العمران
ابراهيم العجلوني
جو 24 : تدور مقدمة ابن خلدون حول «العمران البشري» كيف يكون, كما تدور في الوقت نفسه حول العمران كيف يتم نقضه, وأي البشر هم الذين يقومون بذلك. وقد حمل الفصل السادس والعشرون من هذه المقدمة عنواناً نحار فيه نحن اليوم إن لم تتبين لنا دلالته ويتضح معناه, وذلكم هو: «في ان العرب اذا تغلبوا على اوطان اسرع اليها الخراب» اذ كيف يستوي في المنطق ان ينتهي هذا العالم العربي الحضرمي الى مثل هذه الرؤية لدور العرب في تاريخ الحضارة من جهة, وكيف يتنكب بهذا التقرير حقائق حضارة العرب او بالاحرى حضارات العرب, ما قبل الاسلام وما بعده!!
وفي الحق ان ابن خلدون لا يعني ظاهر ما نفهمه لأول النظر من عنوان فصله هذا, فهو يقول في تفسير هذا التقرير, أي في تفسير قوله بأن «العرب اذا تغلبوا على اوطان اسرع اليها الخراب»: «والسبب في ذلك انهم امة وحشية باستحكام عوائد التوحش واسبابه فيهم, فصار لهم خلقاً وجبلة, وكان عندهم ملذوذاً لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم وعدم الانقياد للسياسة. وهذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له, فغاية الاحوال العادية عندهم الرحلة والتغلب وذلك مناقض للسكون الذي به العمران ومناف له».
ثم يستطرد ابن خلدون في بيان احوال هؤلاء «العرب» الذين يقصدهم قائلا: «فالحجر مثلا انما حاجتهم اليه لنصبه اثافي للقدور, فينقلونه من المباني ويخربونها, والخشب ايضاً انما حاجتهم اليه ليعمروا خيامهم ويتخذوا الاوتاد منه لبيوتهم, لذلك صارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الذي هو اصل العمران».
ثم ان طبيعة هؤلاء «العرب» الذين يقصدهم «انتهاب ما في ايدي الناس, وان رزقهم في ظلال رماحهم, وليس عندهم في اخذ اموال الناس حد ينتهون اليه, بل كلما امتدت ايديهم الى مال او متاع او ماعون انتهبوه, فاذا تم اقتدارهم على ذلك بالتغلب والملك بطلت السياسة في حفظ اموال الناس, وخرب العمران».
إن «العرب» عند ابن خلدون هنا هم «الاعراب» الذين هم اشد كفراً ونفاقاً, وأجدر ان لا يعلموا حدود ما انزل الله. وليسوا هم اهل المدن والارياف وقبائل البوادي المستقرة, ولذلك فهو يرى انهم «ليست لهم عناية بالاحكام وزجر الناس عن المفاسد ودفاع بعضهم عن بعض, انما همهم ما يأخذون من اموال الناس نهباً أو غرامة, فاذا توصلوا الى ذلك وحصلوا عليه اعرضوا عما بعده من تسديد احوالهم والنظر في مصالحهم وقهر بعضهم عن اغراض المفاسد».
ثم ان هؤلاء «يتلفون على اهل الاعمال من والضائع والحرف اعمالهم لا يرون لها قيمة ولا قسطاً من الاجر والثمن, والاعمال هي اصل المكاسب وحقيقتها, واذا فسدت الاعمال وصارت مجاناً ضعفت الامال في المكاسب, وانقبضت الايدي عن العمل ثم فسد العمران».
ويقول ابن خلدون, تدليلاً على صحة نظريته ان افريقية (تونس) والمغرب لما جاز اليها بنو هلال وبنو سليم منذ اول المائة الخامسة (للهجرة) وتمرّسوا بها لثلاثمائة وخمسين من السنين قد عادا خراباً, بعد أن كان ما بين السودان والبحر الرومي كله عمراناً, تشهد بذلك اثار العمران فيه, وتماثيل البناء وشواهد القرى والمدر».
نقض العمران اذن خصيصة عند ابن خلدون لهؤلاء الاعراب, وكل نكوص عن مكسب «الدولة» التي هي قوام المدنية الى حالة «الاعرابية» هذه هو تدمير لحضارة الانسان. ولعل المشتغلين بسيكولوجيا الجماعات العربية من المستشرقين وخبراء الاستعمار القديم الجديد, ان يكونوا اكثر المتربصين بنا افادة من هذه الحقيقة في نقض الدولة العربية الحديثة – على ضعفها – وفي جعل المشرق العربي الاسلامي, وسائر البلاد العربية صعيداً زلقاً, لا حضارة فيها, ولا عمران ولا انسان..
وفي الحق ان ابن خلدون لا يعني ظاهر ما نفهمه لأول النظر من عنوان فصله هذا, فهو يقول في تفسير هذا التقرير, أي في تفسير قوله بأن «العرب اذا تغلبوا على اوطان اسرع اليها الخراب»: «والسبب في ذلك انهم امة وحشية باستحكام عوائد التوحش واسبابه فيهم, فصار لهم خلقاً وجبلة, وكان عندهم ملذوذاً لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم وعدم الانقياد للسياسة. وهذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له, فغاية الاحوال العادية عندهم الرحلة والتغلب وذلك مناقض للسكون الذي به العمران ومناف له».
ثم يستطرد ابن خلدون في بيان احوال هؤلاء «العرب» الذين يقصدهم قائلا: «فالحجر مثلا انما حاجتهم اليه لنصبه اثافي للقدور, فينقلونه من المباني ويخربونها, والخشب ايضاً انما حاجتهم اليه ليعمروا خيامهم ويتخذوا الاوتاد منه لبيوتهم, لذلك صارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الذي هو اصل العمران».
ثم ان طبيعة هؤلاء «العرب» الذين يقصدهم «انتهاب ما في ايدي الناس, وان رزقهم في ظلال رماحهم, وليس عندهم في اخذ اموال الناس حد ينتهون اليه, بل كلما امتدت ايديهم الى مال او متاع او ماعون انتهبوه, فاذا تم اقتدارهم على ذلك بالتغلب والملك بطلت السياسة في حفظ اموال الناس, وخرب العمران».
إن «العرب» عند ابن خلدون هنا هم «الاعراب» الذين هم اشد كفراً ونفاقاً, وأجدر ان لا يعلموا حدود ما انزل الله. وليسوا هم اهل المدن والارياف وقبائل البوادي المستقرة, ولذلك فهو يرى انهم «ليست لهم عناية بالاحكام وزجر الناس عن المفاسد ودفاع بعضهم عن بعض, انما همهم ما يأخذون من اموال الناس نهباً أو غرامة, فاذا توصلوا الى ذلك وحصلوا عليه اعرضوا عما بعده من تسديد احوالهم والنظر في مصالحهم وقهر بعضهم عن اغراض المفاسد».
ثم ان هؤلاء «يتلفون على اهل الاعمال من والضائع والحرف اعمالهم لا يرون لها قيمة ولا قسطاً من الاجر والثمن, والاعمال هي اصل المكاسب وحقيقتها, واذا فسدت الاعمال وصارت مجاناً ضعفت الامال في المكاسب, وانقبضت الايدي عن العمل ثم فسد العمران».
ويقول ابن خلدون, تدليلاً على صحة نظريته ان افريقية (تونس) والمغرب لما جاز اليها بنو هلال وبنو سليم منذ اول المائة الخامسة (للهجرة) وتمرّسوا بها لثلاثمائة وخمسين من السنين قد عادا خراباً, بعد أن كان ما بين السودان والبحر الرومي كله عمراناً, تشهد بذلك اثار العمران فيه, وتماثيل البناء وشواهد القرى والمدر».
نقض العمران اذن خصيصة عند ابن خلدون لهؤلاء الاعراب, وكل نكوص عن مكسب «الدولة» التي هي قوام المدنية الى حالة «الاعرابية» هذه هو تدمير لحضارة الانسان. ولعل المشتغلين بسيكولوجيا الجماعات العربية من المستشرقين وخبراء الاستعمار القديم الجديد, ان يكونوا اكثر المتربصين بنا افادة من هذه الحقيقة في نقض الدولة العربية الحديثة – على ضعفها – وفي جعل المشرق العربي الاسلامي, وسائر البلاد العربية صعيداً زلقاً, لا حضارة فيها, ولا عمران ولا انسان..