حكم يعيد الاعتبار للحقيقة
جميل النمري
جو 24 : الحكم الصادر بحق الرئيس السابق لمجلس إدارة شركة الفوسفات وليد الكردي، هو أكبر انتصار للقضاء وسمعته ورصيده لدى الأردنيين. ولهذا الحكم ما بعده على غير مستوى.
صاحب القصة هذه المرة ليس كبش فداء وفق الانطباع الذي تولد في ذهن الرأي العام عن كل قصّة سابقة؛ فهناك قضية فساد كبرى معروفة وظاهرة للعيان، لكن لم يكن ممكنا الاقتراب منها، لأن بطلها فوق كل مساءلة، ولا أحد يجرؤ على التفكير في مسّه. وها هو الآن يحكم بالسجن 37.5 عاما، وبمبلغ 285 مليون دينار. وهذا في قضيتين فقط من القضايا العديدة المتعلقة بالفوسفات، وهما شركة الشحن، وشركة وسطاء البيع، وكلتاهما تعود ملكيتهما للكردي، والبقية تتبع في باقي العمليات، مثل الحفر والتجريف والنقل الداخلي والصيانة، وكل عملية أخرى تم ترتيبها بتواطؤ مع آخرين لتحقيق العوائد الخاصة على حساب الشركة، ويمكن أن نتخيل أن قيمتها تصل إلى شيء يساوي أو يزيد على قيمة الحكم السابق.
والحكم أيضا يردّ الاعتبار للحقيقة بشأن خصخصة الفوسفات نفسها، وما شاب العملية من فساد. فرئيس مجلس الإدارة المدان لم يكن شخصا ذا صلة بالشركة في ذلك الوقت، حين قام بهندسة مشروع الخصخصة تحت غطاء حكومة بروناي، وبتواطؤ مع مسؤولين، ليصبح حاكما فعليا أوحد للشركة. وقد كشفت لجنة التحقيق النيابية برئاسة الزميل د. محمد الشقران هذه الحقيقة، وتوصلت إلى نتائج خطيرة وموثقة، فتحركت أذرع وأدوات الفساد لتحبط مساعي تلك الثلة من النواب في المجلس النيابي السادس عشر، والتي طاحنت لتحويل القضية إلى القضاء. ونتذكر دموع زميلنا الشقران بعد تلك الجلسة المشؤومة التي تم فيها التصويت لصالح التبرئة ومنع المحاكمة. إن حكم المحكمة يردّ الاعتبار للحقيقة بشأن فساد عملية بيع أسهم الشركة التي أدت إلى وضع "بترول الأردن"، وأضخم استثمار وطني، في يد شخص واحد يديره لحسابه الخاص.
من الطبيعي أن نطلب الآن، إلى جانب السير في المحاكمات بشأن جوانب أخرى من أنشطة الشركة غير القضيتين اللتين صدر الحكم بشأنهما، العودة إلى فتح ملف الخصخصة، وتحويله إلى القضاء. وذلك يمكن أن يتم بطريقتين: إمّا من خلال هيئة مكافحة الفساد التي تحيل الملف إلى القضاء، وإذا ظهر فيه تورط وزراء تطلب من مجلس النواب التصويت على تحويلهم للقضاء؛ أو من خلال مجلس النواب مباشرة الذي يعود للتصويت، فيمحو الأثر البائس لتصويت المجلس السادس عشر.
وهذا الحكم يفتح شهيتنا على ملفات أخرى ضخمة لا نرى سببا لنسيانها، ما دامت هيئة مكافحة الفساد وبلدوزر القضاء قد هدما جدرانا وحواجز بدا لبعض الوقت أنها ستحجز للأبد ما وراءها. ولنتخيل الآن لو تعاملنا مع قضية الفوسفات بمنطق عفا الله عمّا مضى. ويبدو لي أن مجلس النواب السابع عشر أكثر تحررا وقوة، وأصعب مراسا، لكي يقع له ما وقع للمجلس السادس عشر الذي عاد بعد اندفاعته الأولى لينقلب على نفسه، ويصوت على نفض يده من معظم القضايا، وتبرئة ما بقي بين يديه. لكن بالتأكيد، فإن الطريقة في متابعة مكافحة الفساد يجب أن تتغير، فيلجأ المجلس إلى فتح القضايا مبدئيا، لكن مع إحالة التحقيق لهيئة مكافحة الفساد، ومتابعة عمل الهيئة بصورة حثيثة، وتقديم الغطاء والدعم المعنوي لها. (الغد)
jamil.nimri@alghad.jo
صاحب القصة هذه المرة ليس كبش فداء وفق الانطباع الذي تولد في ذهن الرأي العام عن كل قصّة سابقة؛ فهناك قضية فساد كبرى معروفة وظاهرة للعيان، لكن لم يكن ممكنا الاقتراب منها، لأن بطلها فوق كل مساءلة، ولا أحد يجرؤ على التفكير في مسّه. وها هو الآن يحكم بالسجن 37.5 عاما، وبمبلغ 285 مليون دينار. وهذا في قضيتين فقط من القضايا العديدة المتعلقة بالفوسفات، وهما شركة الشحن، وشركة وسطاء البيع، وكلتاهما تعود ملكيتهما للكردي، والبقية تتبع في باقي العمليات، مثل الحفر والتجريف والنقل الداخلي والصيانة، وكل عملية أخرى تم ترتيبها بتواطؤ مع آخرين لتحقيق العوائد الخاصة على حساب الشركة، ويمكن أن نتخيل أن قيمتها تصل إلى شيء يساوي أو يزيد على قيمة الحكم السابق.
والحكم أيضا يردّ الاعتبار للحقيقة بشأن خصخصة الفوسفات نفسها، وما شاب العملية من فساد. فرئيس مجلس الإدارة المدان لم يكن شخصا ذا صلة بالشركة في ذلك الوقت، حين قام بهندسة مشروع الخصخصة تحت غطاء حكومة بروناي، وبتواطؤ مع مسؤولين، ليصبح حاكما فعليا أوحد للشركة. وقد كشفت لجنة التحقيق النيابية برئاسة الزميل د. محمد الشقران هذه الحقيقة، وتوصلت إلى نتائج خطيرة وموثقة، فتحركت أذرع وأدوات الفساد لتحبط مساعي تلك الثلة من النواب في المجلس النيابي السادس عشر، والتي طاحنت لتحويل القضية إلى القضاء. ونتذكر دموع زميلنا الشقران بعد تلك الجلسة المشؤومة التي تم فيها التصويت لصالح التبرئة ومنع المحاكمة. إن حكم المحكمة يردّ الاعتبار للحقيقة بشأن فساد عملية بيع أسهم الشركة التي أدت إلى وضع "بترول الأردن"، وأضخم استثمار وطني، في يد شخص واحد يديره لحسابه الخاص.
من الطبيعي أن نطلب الآن، إلى جانب السير في المحاكمات بشأن جوانب أخرى من أنشطة الشركة غير القضيتين اللتين صدر الحكم بشأنهما، العودة إلى فتح ملف الخصخصة، وتحويله إلى القضاء. وذلك يمكن أن يتم بطريقتين: إمّا من خلال هيئة مكافحة الفساد التي تحيل الملف إلى القضاء، وإذا ظهر فيه تورط وزراء تطلب من مجلس النواب التصويت على تحويلهم للقضاء؛ أو من خلال مجلس النواب مباشرة الذي يعود للتصويت، فيمحو الأثر البائس لتصويت المجلس السادس عشر.
وهذا الحكم يفتح شهيتنا على ملفات أخرى ضخمة لا نرى سببا لنسيانها، ما دامت هيئة مكافحة الفساد وبلدوزر القضاء قد هدما جدرانا وحواجز بدا لبعض الوقت أنها ستحجز للأبد ما وراءها. ولنتخيل الآن لو تعاملنا مع قضية الفوسفات بمنطق عفا الله عمّا مضى. ويبدو لي أن مجلس النواب السابع عشر أكثر تحررا وقوة، وأصعب مراسا، لكي يقع له ما وقع للمجلس السادس عشر الذي عاد بعد اندفاعته الأولى لينقلب على نفسه، ويصوت على نفض يده من معظم القضايا، وتبرئة ما بقي بين يديه. لكن بالتأكيد، فإن الطريقة في متابعة مكافحة الفساد يجب أن تتغير، فيلجأ المجلس إلى فتح القضايا مبدئيا، لكن مع إحالة التحقيق لهيئة مكافحة الفساد، ومتابعة عمل الهيئة بصورة حثيثة، وتقديم الغطاء والدعم المعنوي لها. (الغد)
jamil.nimri@alghad.jo