الدور الثقافي للاعلان
ابراهيم العجلوني
ان الاعلان الذي يضرب قيمة عربية اسلامية مثل قيمة الشرف والعفاف ومثل قيمة الايمان لا يعود اعلانا عن مادة تجارية، بل يصبح جزءا من خطة (خفية وظاهرة في آن) لمحو الصفات وتدمير الذات، بحيث يسهل تسخيف اجيال الامة وجعلها كما مهملا يوزع في المسارب والطرقات ويدفع في المضايق المهلكة دون مسكة من عقل او ارادة. ولا تقل «حرية» ترويج البضائع على هذا النحو عن «حرية!» ترويج المخدرات؛ ان كان ثمة في المروجين من يتخذ «الحرية» حجة لمثل هذه الموبقات او ذريعة الى ان يشيع اثرها المدمر في الناس.
ونحن، وبشيء من تدبر هذه المسألة نجد ان المردود الاقتصادي ليس هو مقصود كثير من الاعلانات، اذ معظمها يأتي اثناء بث مسلسلات (معظمها بالغ الضرر ايضا) بحيث تقطع المشاهد عن متابعة ما يثيره من احداث.
والذهن عادة ينفي عنه هذه الاعلانات بسبب انه في لهفة للمتابعة التي تأخذ عليه لبه وتستأثر باهتمامه. ولو سألت مشاهد مسلسل ما الذي يذكره من اعلانات تم بثها اثناءه لوجدته في اغلب الاحيان غير ذكر منها شيئا ولكن الاثر القيمي والاخلاقي للاعلان سيظل قائما في نفسه، وذلك هو المطلوب، أي ان ترويج البضاعة هو الظاهر، وترويج الفساد الاخلاقي هو الباطن، وان الامر كله متعلق بتدمير منظومة القيم العربية الاسلامية بصفة ذلك هدفا رئيساً، وكل ما يليه، بعد، اهداف ثانوية.
ولقد يكون كثير من الوسطاء والمشتغلين بالاعلان في عالمنا العربي الاسلامي لا يعملون من علم هذه المسألة شيئاً. وقد يكون كثير من العاملين في وسائل الاعلام (اذاعات، محطات تلفزيونية، صحف) غير منتبهين، لهذا الائتمار بالذوق والوعي العربيين، لكن هذا لا يعفيهم من المسؤولية بحال، وان للاعلانات التي نراها اليوم وراء ذلك دورا في تربية اجيالنا الجديدة على اخيلة وممارسات تباعد بينهم وبين منطق العقل وواقع الحال, فثمة طيران خلف زجاجة او عبوة غازية، وثمة غوص في اعماق المياه خلفها، وثمة قوة خارقة تتأتى منها، وثمة – الى ذلك كله – تملق للغرائز غريب عجيب، وغير ذلك كثير وخطير.
اننا، وكما ندعو الى ميثاق اخلاقي للاعلاميين، ينبغي ان ندعو الى ميثاق اخلاقي للمعلنين. ولا اقل في مثل هذه الحال من ان ندعوهم الى احترام ثقافتنا وآدابنا الاجتماعية وادياننا، وان لا يكونوا من حيث يشعرون او من حيث لا يشعرون، ادوات لحرب ذلك كله، او ثغرات بتدسّس اليه منها الادواء وخبيث الرياح.
ان هذا كلام مجمل، وهو لدى تنزيله على الحيثيات، والامثلة، والشواهد المؤلمة، سوف يظهرنا على مذبحة حقيقية للقيم والاخلاق، كما سيجعلنا نتساءل عن المستفيدين، في المحصلة، من نتائج هذه المذبحة.. وذلك ما نحسبه موضع اتفاق لا موضع شقاق في العاقلين.
الرأي