حين قصَدَ الغزاليَّ يوسف بن تاشفين
ابراهيم العجلوني
جو 24 : لا اعلم لم يصر فيلسوفنا الراحل عبدالرحمن بدوي على اعتبار مسألة رحلة الامام الغزالي الى مصر والاسكندرية واعتزامه اللحاق بالامير يوسف بن تاشفين، صاحب مراكش «أُسطورة زائفة» كما جاء في موسوعته الفلسفية، فالصفدي يقول « وقصد مصر، واقام بالاسكندرية مدة، ويقال إنه عزم منها على ركوب البحر للاجتماع بالامير يوسف بن تاشفين صاحب مراكش. فبلغه نعي المذكور فعاد الى وطنه بطوس»، والسُّبكيُّ يقول: «ففارق دمشق واخذ يجول في البلاد، فدخل منها الى مصر وتوجه منها الى الاسكندرية فأقام بها مدة، وقيل انه عزم على المضي الى السلطان يوسف بن تاشفين سلطان المغرب لما بلغه من عدله، فبلغه موته»، والعيني يقول: «ثم قصد مصر واقام بالاسكندرية مدة، ويقال انه قصد الركوب منها في البحر الى بلاد المغرب على عزم الاجتماع بالامير يوسف بن تاشفين صاحب مراكش، فبينما هو كذلك اذ ابلغ اليه نعي يوسف المذكور، فصرف عزمه عن تلك الناحية».
ان هذه الروايات التي اوردها الدكتور بدوي يقوي بعضها بعضا، او لعلها ان تكون منقولة عن مصدر واحد، وجاءت عن ثلاثة من كبار المؤرخين، فما الذي يدفع الدكتور بدوي الى تزييفها وردها؟!
يقول الدكتور بدوي ان سبب ذلك ان يوسف بن تاشفين توفي يوم الاثنين الثالث من محرم سنة خمسمئة للهجرة، وان الروايات تؤكد ان الغزالي كان في تلك السنة في خراسان، وعلى وجه التخصيص في نيسابور للتدريس في المدرسة النظامية هناك.
ونحن في حال تسليمنا بدقة الروايات التي يستند اليها استاذنا الراحل فاننا نقول ان المدة الزمنية الفاصلة بين الثالث من محرم لعام خمسمئة للهجرة ونهاية ذلك العام تقارب اربعة اشهر. فثمة بقية محرم، وصفر، وربيع اول، وربيع ثاني الا اياما منه.. وان الرحلة ما بين مصر وخراسان قد تستغرق شهرين او ثلاثة، وبهذا يمكن الجمع بين روايات الصفدي والسبكي والعيني وبين الروايات التي اعتمدها الدكتور بدوي لترجيح اقامته في نيسابور ذلك العام.
ومهما يكن الامر فان لاعتزام الامام الرحلة الى «الزعيم» دلالة غير خافية. وقد كتبت في هذا من قبل، وهي ان «الامام» كان قد استيئس من حكام المشرق آنذاك واستيقن ما هم عليه من ضعف وفساد احوال، وانه قلب بصره في الآفاق فلم يَرَ إلاّ ذلك الزعيم العادل القوي الذي لن يعدم حوله من يأخذون بأفكاره، فيكون قد تهيأت بالتقاء الإمام بالزعيم شروط النهضة بأمة الإسلام، وإحياء علوم دينها، ونشر انواره في العالمين.
ولئن كان الامام الغزالي مشتغلاً بالفلسفة والتصوف واصول الفقه والمنطق، وكانت له كتب قيمة في ذلك، الا ان قراءة معمقة لأي من اعماله تجدها مسكونة بحرصه على تجديد حياة الامة او دفع العزيمة في روحها، ومن يقرأ اثر الغزالي وتلامذته في جيله والجيل الذي يليه يدرك عِظَمَِ صنيعه في الأمة، وكيف انها تصدّت لغزوات الفرنجة المتلاحقة، وهي عفية الروح قوية الجنان..
لم يكن للغزالي الا عقله الفذ الذي يعترف المسلمون وغير المسلمين بانجازاته العظيمة، وغير شعوره العميق بالمسؤولية الفكرية والاخلاقية، وكان حرياً به لو وجد في حكام المشرق العربي الاسلامي آنذاك من ينهض بالأمة من عثرتها ان يقصده راجياً الاستظهار به في تجديد حياتها، ولكنه لم يجد طلبته فيهم، فكان ذلك التوجه منه الى يوسف بن تاشفين..
هذا ما نراه في هذه المسألة، وهو لا يمنع من مزيد نظر تحقيق فيها..
(الرأي)
ان هذه الروايات التي اوردها الدكتور بدوي يقوي بعضها بعضا، او لعلها ان تكون منقولة عن مصدر واحد، وجاءت عن ثلاثة من كبار المؤرخين، فما الذي يدفع الدكتور بدوي الى تزييفها وردها؟!
يقول الدكتور بدوي ان سبب ذلك ان يوسف بن تاشفين توفي يوم الاثنين الثالث من محرم سنة خمسمئة للهجرة، وان الروايات تؤكد ان الغزالي كان في تلك السنة في خراسان، وعلى وجه التخصيص في نيسابور للتدريس في المدرسة النظامية هناك.
ونحن في حال تسليمنا بدقة الروايات التي يستند اليها استاذنا الراحل فاننا نقول ان المدة الزمنية الفاصلة بين الثالث من محرم لعام خمسمئة للهجرة ونهاية ذلك العام تقارب اربعة اشهر. فثمة بقية محرم، وصفر، وربيع اول، وربيع ثاني الا اياما منه.. وان الرحلة ما بين مصر وخراسان قد تستغرق شهرين او ثلاثة، وبهذا يمكن الجمع بين روايات الصفدي والسبكي والعيني وبين الروايات التي اعتمدها الدكتور بدوي لترجيح اقامته في نيسابور ذلك العام.
ومهما يكن الامر فان لاعتزام الامام الرحلة الى «الزعيم» دلالة غير خافية. وقد كتبت في هذا من قبل، وهي ان «الامام» كان قد استيئس من حكام المشرق آنذاك واستيقن ما هم عليه من ضعف وفساد احوال، وانه قلب بصره في الآفاق فلم يَرَ إلاّ ذلك الزعيم العادل القوي الذي لن يعدم حوله من يأخذون بأفكاره، فيكون قد تهيأت بالتقاء الإمام بالزعيم شروط النهضة بأمة الإسلام، وإحياء علوم دينها، ونشر انواره في العالمين.
ولئن كان الامام الغزالي مشتغلاً بالفلسفة والتصوف واصول الفقه والمنطق، وكانت له كتب قيمة في ذلك، الا ان قراءة معمقة لأي من اعماله تجدها مسكونة بحرصه على تجديد حياة الامة او دفع العزيمة في روحها، ومن يقرأ اثر الغزالي وتلامذته في جيله والجيل الذي يليه يدرك عِظَمَِ صنيعه في الأمة، وكيف انها تصدّت لغزوات الفرنجة المتلاحقة، وهي عفية الروح قوية الجنان..
لم يكن للغزالي الا عقله الفذ الذي يعترف المسلمون وغير المسلمين بانجازاته العظيمة، وغير شعوره العميق بالمسؤولية الفكرية والاخلاقية، وكان حرياً به لو وجد في حكام المشرق العربي الاسلامي آنذاك من ينهض بالأمة من عثرتها ان يقصده راجياً الاستظهار به في تجديد حياتها، ولكنه لم يجد طلبته فيهم، فكان ذلك التوجه منه الى يوسف بن تاشفين..
هذا ما نراه في هذه المسألة، وهو لا يمنع من مزيد نظر تحقيق فيها..
(الرأي)