الفيلسوف الألماني لايبنز و«التاريخ الصغير»
ابراهيم العجلوني
جو 24 : اشتهر الفيلسوف الالماني لايبنز Leibniz فضلاً عن اكتشافاته الرياضية, باقتراحه الخبيث, على لويس الرابع عشر ملك فرنسا, بغزو مصر. وهو اقتراح صيغ على شكل مشروع مدّعم بالوثائق التي تؤكد نجاح هذا الغزو المقترح. ومع ان في الدارسين من يذهب الى ان «ليبنز» كان يرمي من وراء ذلك الى صرف لويس الرابع عشر عن محاولته غزو بلاده «المانيا», الا ان ذلك منه كان ترجمة عن روح عرقية وتعصب ديني, اذ كيف يستوي في المنطق أن يقول هذا الفيلسوف: «ان الرغبة في ان يخضع المرء, بقوة السلاح, امما متحضرة – مولعة بالحرية كما هو شأن معظم الامم الاوروبية – ليست «كفراً» فقط, بل هي جنون ايضاً».. ثم يعمل جاهداً على اقناع ملك اوروبي بغزو مصر قاعدة المشرق العربي الاسلامي, وكيف نراه يشدد النكير على الحروب بين الدول المسيحية في اوروبا, تلك التي تؤدي الى «خراب وشقاء للفاتحين والمفتوحين على حد سواء» ثم يدعو حكام اوروبا الى شن الحروب فيما وراء البحار طمعاً في الاستيلاء على مستعمرات خارج اوروبا..
انه – وكما يقول الدكتور عبدالرحمن بدوي رحمه الله في موسوعته الفلسفية التي استقينا معلوماتنا هذه منها: «لا يدين الحرب بما هي حرب للغزو والتوسع, بل الحرب بين المسيحيين في اوروبا فقط».
و»لايبنز» انما يضع اقتراحه في سياق ما يدعوه هو نفسه بالتاريخ الصغير, ويقصد به اخبار المطامح غير المعلنة, والرشاوى التي دفعت للقائمين بالمفاوضات بين الدول, ودور النساء في عقد المواثيق او الاتفاقات, والتي ترى فيها السياسيين وهم يلعبون بالمعاهدات كما يلعب الاطفال بالجوز, وكيف ان كل سلام هش ما هو الا فترة استراحة قصيرة يتفق عليها المتحاربون للراحة قليلاً ابتغاء مواصلة الصراع بوحشية اشد.
ويظهرنا مثال لايبنز على ان «الفلسفة» لا تضمن لصاحبها نزاهة المقصد او براءة الضمير, أو تؤهله لأن يكون في صف الانسان حيثما كان, وان معظم المشتغلين بها قابلون لأن يكونوا عقولاً موظفة في خدمة القوى الحاكمة, وكذلك هو الامر مع «العلم» الذي نشهد منذ قرن او يزيد توظيفه في خدمة صنّاع الحروب. كما نستدل منه على عمق تاريخ التواطؤ بين الاكاديميا في الغرب وبين الاستعمار وعلى ان لايبنز وامثاله هم الاباء الاوائل لبرنارد لويس وفوكوياما وهنتنجتون وامثالهم, وان هؤلاء محسوبون على «التاريخ الصغير» الذي يفسر به كثير من وقائع «التاريخ الكبير», أي على تاريخ سقوط الوعي والاخلاق وتاريخ المكر والدهاء, لا على تاريخ الانسانية في سعيها للسلام والترقي الروحي والتماس اسباب التراحم والتفاهم بين ابنائها..
ولعل هذا ان يفضي بنا الى نزع معنى «الكونية» أو «الشمولية الانسانية» عن الفلسفة والثقافة الغربيين. وأن نعود الى قراءة تراثنا العربي والاسلامي الذي يؤكد البعد الكوني والشمولية الانسانية القائمة على مراعاة وحدة الخلق في مقابل وحدانية الخالق, وعلى وحدة الاصل ووحدة المصير البشريين.
ثم إننا لا نعدم فلاسفة ومفكرين في الغرب ممن يربأون بأنفسهم عن أن يكونوا خبراء ومستشارين في الدوائر الاستعمارية, وممن يحصّنون العلم والفلسفة بالاخلاق, وعلى هؤلاء – على قلّتهم – نعوّل في صحوة قادمة للضمير الادبي الغربي, ولو بعد حين.
بيد أن معولنا الرئيسي هو على صحوتنا نحن, وعلى قوتنا نحن (وأساسها الوحدة, والعلم, والتنوير, والاصلاح) وما وراء ذلك, الى الحرية والكرامة, من سبيل..
(الراي)
انه – وكما يقول الدكتور عبدالرحمن بدوي رحمه الله في موسوعته الفلسفية التي استقينا معلوماتنا هذه منها: «لا يدين الحرب بما هي حرب للغزو والتوسع, بل الحرب بين المسيحيين في اوروبا فقط».
و»لايبنز» انما يضع اقتراحه في سياق ما يدعوه هو نفسه بالتاريخ الصغير, ويقصد به اخبار المطامح غير المعلنة, والرشاوى التي دفعت للقائمين بالمفاوضات بين الدول, ودور النساء في عقد المواثيق او الاتفاقات, والتي ترى فيها السياسيين وهم يلعبون بالمعاهدات كما يلعب الاطفال بالجوز, وكيف ان كل سلام هش ما هو الا فترة استراحة قصيرة يتفق عليها المتحاربون للراحة قليلاً ابتغاء مواصلة الصراع بوحشية اشد.
ويظهرنا مثال لايبنز على ان «الفلسفة» لا تضمن لصاحبها نزاهة المقصد او براءة الضمير, أو تؤهله لأن يكون في صف الانسان حيثما كان, وان معظم المشتغلين بها قابلون لأن يكونوا عقولاً موظفة في خدمة القوى الحاكمة, وكذلك هو الامر مع «العلم» الذي نشهد منذ قرن او يزيد توظيفه في خدمة صنّاع الحروب. كما نستدل منه على عمق تاريخ التواطؤ بين الاكاديميا في الغرب وبين الاستعمار وعلى ان لايبنز وامثاله هم الاباء الاوائل لبرنارد لويس وفوكوياما وهنتنجتون وامثالهم, وان هؤلاء محسوبون على «التاريخ الصغير» الذي يفسر به كثير من وقائع «التاريخ الكبير», أي على تاريخ سقوط الوعي والاخلاق وتاريخ المكر والدهاء, لا على تاريخ الانسانية في سعيها للسلام والترقي الروحي والتماس اسباب التراحم والتفاهم بين ابنائها..
ولعل هذا ان يفضي بنا الى نزع معنى «الكونية» أو «الشمولية الانسانية» عن الفلسفة والثقافة الغربيين. وأن نعود الى قراءة تراثنا العربي والاسلامي الذي يؤكد البعد الكوني والشمولية الانسانية القائمة على مراعاة وحدة الخلق في مقابل وحدانية الخالق, وعلى وحدة الاصل ووحدة المصير البشريين.
ثم إننا لا نعدم فلاسفة ومفكرين في الغرب ممن يربأون بأنفسهم عن أن يكونوا خبراء ومستشارين في الدوائر الاستعمارية, وممن يحصّنون العلم والفلسفة بالاخلاق, وعلى هؤلاء – على قلّتهم – نعوّل في صحوة قادمة للضمير الادبي الغربي, ولو بعد حين.
بيد أن معولنا الرئيسي هو على صحوتنا نحن, وعلى قوتنا نحن (وأساسها الوحدة, والعلم, والتنوير, والاصلاح) وما وراء ذلك, الى الحرية والكرامة, من سبيل..
(الراي)