حتى لا نفقد هذا المناخ الروحي
ابراهيم العجلوني
جو 24 : ما زلنا نذكر، من طفولتنا الاولى، ذلك المناخ الروحي الذي كان يصنعه آذان الفجر وما كان يضوع منه من نسائم تبعث في الأنفس ثقة وفي العزائم ارادة، فيستهل الناس يومهم مستبشرين، ويباشرون جهادهم اليومي مبكرين، ويسعون سعيهم فيه وهم على ربهم يتوكلون..
كان الآذان الذي ادركناه يأتينا بالصوت الانساني الشجي الحميم، حيث لم تكن هذه المكبرات الصوتية التي توحي بيوم الفزع الأكبر، وكان غيثاً ينزل على القلوب فيملؤها خشوعاً، على نحو ما كان في سماوات العالم الاسلامي اكثر من ثلاثة عشر قرناً، تلك الاعصر التي لم تعرف هذه السماعات التي تضج بها آفاقنا وتنفذ الى اسماعنا نفوذها العنيف، دون ان تملك – من حيث هي مصوتات قوية – ان تأتينا بذلك المناخ الروحي للآذان الذي عرفه المسلمون معظم تاريخهم الطويل..
اننا لا ننكر استعمال مكبرات الصوت في الآذان باطلاق، ولكننا ننكر سوء استعمالها، ونريد للقائمين عليها ان يردوها الى حالة تنسجم مع المعاني الجليلة للآذان.
ان المناداة للصلاة تختلف عن «النفخ في الصور» الذي اذا كان «صعق من في السماوات والأرض» فهلاّ ضُبطت تلكم السماعات عند درجة لا تعدوها، فيتحقق بذلك معنى الدعوة والدعاء، ومعنى «الرفق» الذي أُمرنا بتوخيه في امورنا، ومعنى «الخشوع» الذي قد يذهب به رفع هذه العقائر الالكترونية..
ان الصوت الهادئ يتيح لسامعه ان يتدبر ما يحمله من معان وما يوحي به من افكار وتصورات.. ويتيح لذلك كله ان يلامس شغاف القلوب.
وكنت ذكرت في كتابي «احزان مسيحية» كيف كان «سلطي الفاخوري» المسيحي العربي من بلدة الصريح في شمال الاردن تعتريه هزة وهو يستمع الى جاره «الشيخ ابراهيم العجلوني» في تسبيحه وتكبيره – اوائل القرن الماضي – من على مئذنة الجامع، وكيف كان يقول له «ابكيتني اليوم يا شيخ»، وأُجزم الآن لو انهما ادركا صخب التقنيات وزعيق السماعات، لما عرفا هذا المناخ الروحي الذي تتبين فيه قيمة الآذان وما يضوع منه من معان حسان..
انها مسألة ينبغي لنا معالجتها بأكبر قدر من المسؤولية، وان ننتهي فيها الى رأي جامع واجتهاد نافع، وعسى الله ان يجعلنا من القائلين فيها بنصح الناصحين، وغيرة الغيارى، ولهجة الصادقين..
(الراي)
كان الآذان الذي ادركناه يأتينا بالصوت الانساني الشجي الحميم، حيث لم تكن هذه المكبرات الصوتية التي توحي بيوم الفزع الأكبر، وكان غيثاً ينزل على القلوب فيملؤها خشوعاً، على نحو ما كان في سماوات العالم الاسلامي اكثر من ثلاثة عشر قرناً، تلك الاعصر التي لم تعرف هذه السماعات التي تضج بها آفاقنا وتنفذ الى اسماعنا نفوذها العنيف، دون ان تملك – من حيث هي مصوتات قوية – ان تأتينا بذلك المناخ الروحي للآذان الذي عرفه المسلمون معظم تاريخهم الطويل..
اننا لا ننكر استعمال مكبرات الصوت في الآذان باطلاق، ولكننا ننكر سوء استعمالها، ونريد للقائمين عليها ان يردوها الى حالة تنسجم مع المعاني الجليلة للآذان.
ان المناداة للصلاة تختلف عن «النفخ في الصور» الذي اذا كان «صعق من في السماوات والأرض» فهلاّ ضُبطت تلكم السماعات عند درجة لا تعدوها، فيتحقق بذلك معنى الدعوة والدعاء، ومعنى «الرفق» الذي أُمرنا بتوخيه في امورنا، ومعنى «الخشوع» الذي قد يذهب به رفع هذه العقائر الالكترونية..
ان الصوت الهادئ يتيح لسامعه ان يتدبر ما يحمله من معان وما يوحي به من افكار وتصورات.. ويتيح لذلك كله ان يلامس شغاف القلوب.
وكنت ذكرت في كتابي «احزان مسيحية» كيف كان «سلطي الفاخوري» المسيحي العربي من بلدة الصريح في شمال الاردن تعتريه هزة وهو يستمع الى جاره «الشيخ ابراهيم العجلوني» في تسبيحه وتكبيره – اوائل القرن الماضي – من على مئذنة الجامع، وكيف كان يقول له «ابكيتني اليوم يا شيخ»، وأُجزم الآن لو انهما ادركا صخب التقنيات وزعيق السماعات، لما عرفا هذا المناخ الروحي الذي تتبين فيه قيمة الآذان وما يضوع منه من معان حسان..
انها مسألة ينبغي لنا معالجتها بأكبر قدر من المسؤولية، وان ننتهي فيها الى رأي جامع واجتهاد نافع، وعسى الله ان يجعلنا من القائلين فيها بنصح الناصحين، وغيرة الغيارى، ولهجة الصادقين..
(الراي)