في النفس البشرية وآفاقها
ابراهيم العجلوني
جو 24 : ثَمَّ سدٌ بين الكاتب وبين حقائقه الذاتية، لا يستطيع ان يظهره ولا يستطيع له نقباً.
ومهما ادّعى الكاتب من جراءة الصراحة او صدق البوح او شفافية الكشف فهو لن يتجاوز هذا السد العجيب بحال.
انه قد يعلم السر في اعماقه، وقد يكشف عنه للآخرين، ولكن السد الذي نقصده هنا هو ما يحجب ما هو «أخفى» من السر، او تلك الكوامن التي قد يُفاجأ هو بها اذا اتفق له ادراكها على نحو او آخر..
ربما كان «الحلم» واحداً من القنوات الخفية او الممرات السرية التي تفضي بالوعي، على معنى الرمز والاشارة، الى ما وراء هذا السد المنيع..
وربما كان «المرض الشديد» الذي يفضي بالمرء الى شفا التهلكة قادراً على ان يمنحه لحظات ينفذ بها وعيه الى بعض ما يستيقنه من محجوبات ذلك السد ومخبآته..
وربما كانت التجربة العنيفة القاسية التي تذهب بصاحبها الى اقصى الحبوط وابعد القنوط قادرة على ان تعلو به فوق واقعه المشهود او تذهب به وراءه امكان معرفة ما يغيب عنه في الطبقات المعتمة من كينونته..
كل ذلك ممكن الى حد ما، وبدرجات تتفاوت بين انسان وانسان، وبين كاتب وكاتب، ولكن لا احد يضمن ان يكون أي من معطيات هذه الحالات ذا صلة مؤكدة بما يواريه ذلك السد من حقائق الذات وعوالمها الخفية..
انها آفاق قد تدركها البصيرة الملهمة وقد لا تدركها، ومجرد وجودها دليل على ان فوق كل ذي علم عليم، وان على الانسان ان يتواضع ولا يذهب بعقله الزهو الكاذب..
وهي اذا كانت في منأى عن الادراك، على حميميتها وقربها من صميم كينونة الانسان، مسؤولة عن افعال هذا الانسان الارادية وغير الارادية فحسبك من خفيّ ظاهر، وحسبُك من سر مطوي يدفع الى الجهر بمجمل ما نحسن من الأعمال وما نُسيء.
واذا نحن افترضنا النفس الانسانية كرة جلدية ذات سبع طبقات دون مركزها، فان ما ندعيه من «علم النفس» قد لا ينفذ بنا الا الى الطبقة الثانية من هذه الكرة الجلدية، وسيظل «السدّ» الذي افترضناه، مطلع الحديث، قائماً يحول دون مزيد من المعرفة او الكشف.
وكل ما نعتقده من قدرة الكتاب على نقب هذا «السد» او الظهور عليه هو محض وهم. وكم لا يزال في النفس البشرية من محجوبات ومكنونات.. وكم لا نزال نجهل كثيراً من آفاقها..
(الراي)
ومهما ادّعى الكاتب من جراءة الصراحة او صدق البوح او شفافية الكشف فهو لن يتجاوز هذا السد العجيب بحال.
انه قد يعلم السر في اعماقه، وقد يكشف عنه للآخرين، ولكن السد الذي نقصده هنا هو ما يحجب ما هو «أخفى» من السر، او تلك الكوامن التي قد يُفاجأ هو بها اذا اتفق له ادراكها على نحو او آخر..
ربما كان «الحلم» واحداً من القنوات الخفية او الممرات السرية التي تفضي بالوعي، على معنى الرمز والاشارة، الى ما وراء هذا السد المنيع..
وربما كان «المرض الشديد» الذي يفضي بالمرء الى شفا التهلكة قادراً على ان يمنحه لحظات ينفذ بها وعيه الى بعض ما يستيقنه من محجوبات ذلك السد ومخبآته..
وربما كانت التجربة العنيفة القاسية التي تذهب بصاحبها الى اقصى الحبوط وابعد القنوط قادرة على ان تعلو به فوق واقعه المشهود او تذهب به وراءه امكان معرفة ما يغيب عنه في الطبقات المعتمة من كينونته..
كل ذلك ممكن الى حد ما، وبدرجات تتفاوت بين انسان وانسان، وبين كاتب وكاتب، ولكن لا احد يضمن ان يكون أي من معطيات هذه الحالات ذا صلة مؤكدة بما يواريه ذلك السد من حقائق الذات وعوالمها الخفية..
انها آفاق قد تدركها البصيرة الملهمة وقد لا تدركها، ومجرد وجودها دليل على ان فوق كل ذي علم عليم، وان على الانسان ان يتواضع ولا يذهب بعقله الزهو الكاذب..
وهي اذا كانت في منأى عن الادراك، على حميميتها وقربها من صميم كينونة الانسان، مسؤولة عن افعال هذا الانسان الارادية وغير الارادية فحسبك من خفيّ ظاهر، وحسبُك من سر مطوي يدفع الى الجهر بمجمل ما نحسن من الأعمال وما نُسيء.
واذا نحن افترضنا النفس الانسانية كرة جلدية ذات سبع طبقات دون مركزها، فان ما ندعيه من «علم النفس» قد لا ينفذ بنا الا الى الطبقة الثانية من هذه الكرة الجلدية، وسيظل «السدّ» الذي افترضناه، مطلع الحديث، قائماً يحول دون مزيد من المعرفة او الكشف.
وكل ما نعتقده من قدرة الكتاب على نقب هذا «السد» او الظهور عليه هو محض وهم. وكم لا يزال في النفس البشرية من محجوبات ومكنونات.. وكم لا نزال نجهل كثيراً من آفاقها..
(الراي)