بين شك ويقين
ابراهيم العجلوني
جو 24 : بقدر ما يكون تطور الفكر نتيجة سلسلة متتابعة من الشكوك, فإنه يكون نتيجة استيقانات متتابعة. بل الاقرب الى المنطق ان يكون تتابع الاستيقانات هو الاكثر حسماً والابلغ اثراً. لأنه اقرب شيء الى الاستيثاق من «وحدات» التبيان المعرفي او من اللبنات التي سيقوم بها. ولا يبلغ الشك هذا المبلغ من الاهمية, اذ لا يعدو - حتى في حال كونه شكاً منهجياً - أن يكون خطوة في هذا الاستيثاق.
واذا كان بعضهم يرى ان تاريخ العلم هو تاريخ اخطاء العلماء, فإن ثمة وجاهة في رأي من يذهب الى ان هذا التاريخ هو تاريخ تصويبات تلك الاخطاء, أي تاريخ الجهد المبذول في استيقان الصحيح الذي صدقته التجارب من الفرضيات.
وكذلك هو الامر في الفلسفة, فبقدر ما هي قائمة على التساؤل, فهي مرآة صادقة للاجابات التي تقدمها اذكى العقول في مسار الوعي الانساني.
أما الشك المفتوح او الذي يلوب ولا مجيب, والخطأ الآخذ بحجزة الخطأ ولا مصوب له, والسؤال المنطلق في اثر السؤال دون استقرار على رد شاف ركين مكين, فكل اولئك اسباب للحيرة والتلدد والمراوحة في المكان.
نفهم أن يتخذ الشك سلاحاً في معركة الفكر والحياة ضد الاطلاقات والتحكمات والقوالب المؤسسية الجامدة على اختلاف انواعها: دينية كنسية كما كان الامر ايام كتب ديكارت مقاله «في المنهج», أو سياسية امبراطورية, او تعليمية منغلقة.
ونفهم أن يكون الشك «مرحلة قصيرة» في مسار طويل, او «مراناً» على النفي والاثبات, او «مهارة ذهنية» ذات طابع منطقي تقوي عارضة صاحبها, وتخرج به من مضايق التناظر ومزدحمات المتحاورين.
نفهم ذلك كله, ولكننا لا نفهم, ولا تحت أي تأويل, ان يكون الشك هو «اليقين» الذي لا يقين وراءه، لان معنى ذلك انهيار الحضارة الانسانية في شتى تجلياتها، وانهيار الدول والمجتمعات، وانهيار النظم المعرفية وحقائق العلم ومبادئ الاخلاق.
إن كثيرا ممن يتخذون سَمْتَ العارفين لا ديدن لهم سوى ان يستغشوا عقولهم بـ»لست ادري» و»اشك» و»لستُ متأكدا» و»ربما» و»قد يكون»، وغالبا ما يكون ذلك منهم في قضايا مصيرية، وازمات خانقة، ومواقف حرجة، مما يتطلب الرأي الحكيم، او العلم الدقيق، او النصيحة الواجبة، فانظروا اية سلبية واي نكوص يبديه هؤلاء بدعوى هذا الشك العجيب الذي يبدونه بما هو تعالم وتعاظم على حين هو آية فقر الفكر وهلهلة الاخلاق في آن.
إن «اليقين» هو مناط العلم الحق، والخُلُق الحق، والمسؤولية الحقة، وإن «الموقنين» وحدهم هم بناة الدول والمجتمعات وصنّاع الحضارات، وحسبُنا بذلك «يقيناً».
الرأي
واذا كان بعضهم يرى ان تاريخ العلم هو تاريخ اخطاء العلماء, فإن ثمة وجاهة في رأي من يذهب الى ان هذا التاريخ هو تاريخ تصويبات تلك الاخطاء, أي تاريخ الجهد المبذول في استيقان الصحيح الذي صدقته التجارب من الفرضيات.
وكذلك هو الامر في الفلسفة, فبقدر ما هي قائمة على التساؤل, فهي مرآة صادقة للاجابات التي تقدمها اذكى العقول في مسار الوعي الانساني.
أما الشك المفتوح او الذي يلوب ولا مجيب, والخطأ الآخذ بحجزة الخطأ ولا مصوب له, والسؤال المنطلق في اثر السؤال دون استقرار على رد شاف ركين مكين, فكل اولئك اسباب للحيرة والتلدد والمراوحة في المكان.
نفهم أن يتخذ الشك سلاحاً في معركة الفكر والحياة ضد الاطلاقات والتحكمات والقوالب المؤسسية الجامدة على اختلاف انواعها: دينية كنسية كما كان الامر ايام كتب ديكارت مقاله «في المنهج», أو سياسية امبراطورية, او تعليمية منغلقة.
ونفهم أن يكون الشك «مرحلة قصيرة» في مسار طويل, او «مراناً» على النفي والاثبات, او «مهارة ذهنية» ذات طابع منطقي تقوي عارضة صاحبها, وتخرج به من مضايق التناظر ومزدحمات المتحاورين.
نفهم ذلك كله, ولكننا لا نفهم, ولا تحت أي تأويل, ان يكون الشك هو «اليقين» الذي لا يقين وراءه، لان معنى ذلك انهيار الحضارة الانسانية في شتى تجلياتها، وانهيار الدول والمجتمعات، وانهيار النظم المعرفية وحقائق العلم ومبادئ الاخلاق.
إن كثيرا ممن يتخذون سَمْتَ العارفين لا ديدن لهم سوى ان يستغشوا عقولهم بـ»لست ادري» و»اشك» و»لستُ متأكدا» و»ربما» و»قد يكون»، وغالبا ما يكون ذلك منهم في قضايا مصيرية، وازمات خانقة، ومواقف حرجة، مما يتطلب الرأي الحكيم، او العلم الدقيق، او النصيحة الواجبة، فانظروا اية سلبية واي نكوص يبديه هؤلاء بدعوى هذا الشك العجيب الذي يبدونه بما هو تعالم وتعاظم على حين هو آية فقر الفكر وهلهلة الاخلاق في آن.
إن «اليقين» هو مناط العلم الحق، والخُلُق الحق، والمسؤولية الحقة، وإن «الموقنين» وحدهم هم بناة الدول والمجتمعات وصنّاع الحضارات، وحسبُنا بذلك «يقيناً».
الرأي