أهل المعرفة وحكم التاريخ
ابراهيم العجلوني
جو 24 : ستكون كتب, كثيرة او قليلة, تؤرخ لهذه المرحلة التي تمر بنا ونحن اقرب شيء الى ان نكون جماعات توزع في شعاب ضيقة, قد حيل بيننا وبين أفقنا العروبي الواسع. وسيكون من امر مؤلفي هذه الكتب أن يحاروا في واقع الثقافة والمثقفين الذي شهدته هذه المرحلة, وأن يتعاظمهم «اللادور» الذي ركن اليه اهل المعرفة فيها, وما اتصفوا به من سلبية, واضطراب وخور, وما استخفهم به اصحاب السلطة والمال, وما اشتغلوا به من فتات موائد الامم, وما تنكّبوه من كنوز تراثهم العقلي والادبي, وما ضيّعوه جملة من واجبات مستحقة الاداء نحو امتهم, وغير ذلك كثير كثير..
ستكون, يؤمئذ, موازين خافضة رافعة, وتكون قوائم سوداء, مشفوعة باللعنات, لو يمتد العمر بنا الى ذلك المستقبل لتوارينا منها خجلا, ولأدركنا بالغ سقوطنا الاخلاقي, ولقال قائلنا دون تردد: يا ليتني كنت تراباً, أو لقال وهو مثقل بأشد الخزي: يا ليتني لم اتبع الكبراءالذين اضلوني السبيل, ويا ليتني اتخذت مع الشرفاء الصادقين سبيلاً..
هذا, أو ما هو قريب منه, سيكون. ولن يرحم التاريخ أحداً منا, ولن يؤخذ بما نخدع به أنفسنا من معاذير. وستكون ادانته لنا واضحة, وتجريمه لنا صريحاً.
ولرب معترض هنا يقول: ولم نستأني الايام ونرقب قادمات العقود او القرون ونحن نملك أن نصدع اليوم بكل هذا الذي يوجب تشديد النكير على أهل المعرفة الذين يلهثون في غبار اهل السلطة والمال, ولم لا نبادر الان الى كشف تهافت هؤلاء وفهاهتهم, ولم نؤجل عملاً هذا أوانه الذي توافرت دواعيه وحضرت اسبابه؟ أليس ذلك – في حد ذاته – وهناً من الوهن وفسولة بالغة من الفسولة, ونفاقاً من النفاق؟
لقد كان حرياً بنا ان نوافق صاحب مثل هذا الاعتراض باطلاق, لولا ان فينا – ومنذ مطالع ما ندعيه نهضتنا الحديثة – رجالاً نذروا انفسهم لهذه المهمة التنويرية الكاشفة, ولهذا الواجب الاخلاقي العظيم, ولولا ان ما كتبوه في ذلك موجود بيننا, نملك أن نقرأه كل حين وأن نفيد منه علماً جماً, واخلاقاً نافعة, وقدرة على «كشف المخبأ من فنون اوروبا» في استلاب وعي العامة والخاصة منا, ثم لولا ما نستيقنه ان كل ذلك, اليوم, قد ضرب بينه وبين التأثير في الناس بالاسداد, واستغشى دونه المشتغلون بالثقافة مصالحهم ومآربهم واصاخوا عنه اسماعهم, واصروا واستكبروا استكباراً..
هذا وإن كثيراً من المقولات والمفاهيم تظل على ضعفها والتباسها واضطرابها وقلتها بين بيئة وبيئة ولسان ولسان, وكثيراً من طرائق خداع الذات, يظل كل ذلك قائماً زمناً طويلاً, يستمسك به الناس لاسباب قوية او واهية, ثم ما هي الا دورة للزمن او دورتان حتى يتبين سقوطه جملة وتفصيلاً, وصار تحصيل حاصل الحديث فيه بعد أن كان مما تقطع فيه الاعناق والارزاق ويلاقي من يجرؤون عليه من التضييق والاعنات ما يلاقون..
على ان مما نطمئن اليه, في كل حال, ان منطق الحياة كلمة سبقت بها ارادة الله سبحانه, وأن من لا يأخذ هذا المنطق بقوة سيظل كمّاً مهملاً على هامشها, كما نطمئن في الوقت نفسه الى أن الله جلّت قدرته يرسل الى امتنا هذه بين حين من الدهر وحين, من يجدد لها دينها ويقيم لها بالقسط موازينها. رهاننا على ذلك قائم, وأملنا فيه لا ينقطع ولله عاقبة الامور.
الرأي
ستكون, يؤمئذ, موازين خافضة رافعة, وتكون قوائم سوداء, مشفوعة باللعنات, لو يمتد العمر بنا الى ذلك المستقبل لتوارينا منها خجلا, ولأدركنا بالغ سقوطنا الاخلاقي, ولقال قائلنا دون تردد: يا ليتني كنت تراباً, أو لقال وهو مثقل بأشد الخزي: يا ليتني لم اتبع الكبراءالذين اضلوني السبيل, ويا ليتني اتخذت مع الشرفاء الصادقين سبيلاً..
هذا, أو ما هو قريب منه, سيكون. ولن يرحم التاريخ أحداً منا, ولن يؤخذ بما نخدع به أنفسنا من معاذير. وستكون ادانته لنا واضحة, وتجريمه لنا صريحاً.
ولرب معترض هنا يقول: ولم نستأني الايام ونرقب قادمات العقود او القرون ونحن نملك أن نصدع اليوم بكل هذا الذي يوجب تشديد النكير على أهل المعرفة الذين يلهثون في غبار اهل السلطة والمال, ولم لا نبادر الان الى كشف تهافت هؤلاء وفهاهتهم, ولم نؤجل عملاً هذا أوانه الذي توافرت دواعيه وحضرت اسبابه؟ أليس ذلك – في حد ذاته – وهناً من الوهن وفسولة بالغة من الفسولة, ونفاقاً من النفاق؟
لقد كان حرياً بنا ان نوافق صاحب مثل هذا الاعتراض باطلاق, لولا ان فينا – ومنذ مطالع ما ندعيه نهضتنا الحديثة – رجالاً نذروا انفسهم لهذه المهمة التنويرية الكاشفة, ولهذا الواجب الاخلاقي العظيم, ولولا ان ما كتبوه في ذلك موجود بيننا, نملك أن نقرأه كل حين وأن نفيد منه علماً جماً, واخلاقاً نافعة, وقدرة على «كشف المخبأ من فنون اوروبا» في استلاب وعي العامة والخاصة منا, ثم لولا ما نستيقنه ان كل ذلك, اليوم, قد ضرب بينه وبين التأثير في الناس بالاسداد, واستغشى دونه المشتغلون بالثقافة مصالحهم ومآربهم واصاخوا عنه اسماعهم, واصروا واستكبروا استكباراً..
هذا وإن كثيراً من المقولات والمفاهيم تظل على ضعفها والتباسها واضطرابها وقلتها بين بيئة وبيئة ولسان ولسان, وكثيراً من طرائق خداع الذات, يظل كل ذلك قائماً زمناً طويلاً, يستمسك به الناس لاسباب قوية او واهية, ثم ما هي الا دورة للزمن او دورتان حتى يتبين سقوطه جملة وتفصيلاً, وصار تحصيل حاصل الحديث فيه بعد أن كان مما تقطع فيه الاعناق والارزاق ويلاقي من يجرؤون عليه من التضييق والاعنات ما يلاقون..
على ان مما نطمئن اليه, في كل حال, ان منطق الحياة كلمة سبقت بها ارادة الله سبحانه, وأن من لا يأخذ هذا المنطق بقوة سيظل كمّاً مهملاً على هامشها, كما نطمئن في الوقت نفسه الى أن الله جلّت قدرته يرسل الى امتنا هذه بين حين من الدهر وحين, من يجدد لها دينها ويقيم لها بالقسط موازينها. رهاننا على ذلك قائم, وأملنا فيه لا ينقطع ولله عاقبة الامور.
الرأي