الشكر لله من قبل ومن بعد
جميل النمري
جو 24 : على غير توقع، وجدت نفسي وسط زوبعة أثارتها الرسالتان المتبادلتان بين رئيسي السلطتين التنفيذية والنيابية.
ويبدو أن الجمهور ليس في مزاج رائق أبدا لتقبل "المداعبات" وهو ينتظر موجة جديدة من رفع الأسعار تزيد عيشه ضنكا على ضنك، ولسان حاله -كما تقول مئات التعليقات- نحن نتقلى بنار الأسعار، وهم "يتناغشون".
ومع أن الأردنيين كشفوا عن روح فكاهة وسخرية لاذعة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة الالكترونية، إلا أنهم لا يحتملون المزاح من مسؤوليهم. فهم لا يطيقونهم في جدهم، فكيف في هزلهم؛ وهم الذين حملونا مديونية بـ17 مليار دولار، وعجزا بثلاثة مليارات دينار، وفسادا أودى بموارد البلد ومقدراته، وقلة كفاءة أطاحت بالإدارة وكرست الترهل والعجز؟!
والحق أنني لم أجرؤ حتى على التماس العذر لهما بأنهما كانا يتهامسان بينهما على الورق، فمن الواضح أن الجمهور لا يقبل حتى أن يكونا منشرحين داخليا. ومن سوء حظهما أن مصورا صحفيا بعين صقر حقق اللقطة السبق، فأصبح كل شيء ملكا الجمهور. ورأى معلقون أن الرئيسين مدينان بالاعتذار للشعب عن تصرف استفز الرأي العام وأغضبه بصورة غير مسبوقة، بل اعتبر كثيرون أن حادثة كهذه تكفي سببا لاستقالة رئيس الوزراء من منصبه. لكن هذه فرضية تقتضي أن يكون الرئيسان قارئين جيدين وقد تابعا عن كثب ردود الأفعال، وأنهما يأخذان بالاعتبار الرأي العام.
وهذه مشكلة ثالثة. فإذا كان فحوى التراسل هو السخرية من سلطة الشعب، أي الحكومات المنتخبة، بل واعتبر دولة الرئيس ذلك من نوع "التطاول على سدة الحكم"، فكيف نترجى هذه الحساسية والتقدير للرأي العام؟
وهنا جوهر القضية، وهو انكشاف نمط من التفكير والموقف على طرف نقيض من الإصلاح السياسي. وفي كلمتي التي تبادل الرئيسان التعليق عليها، تشخيص لأزمة إدارة الحكم وتعاقب الحكومات المتواتر، وقد كان حوليا ثم أصبح فصليا مع الربيع العربي، لأقول إنه يؤشر على استمرار نهج الهروب من تغيير السياسات إلى تغيير الحكومات، وأن الحل في إصلاح سياسي ديمقراطي حقيقي وجذري، ينقلنا إلى عصر الحكومات البرلمانية المنتخبة، وهو بالمناسبة الهدف الرسمي المعلن للإصلاح الذي يريده جلالة الملك.
ولكن النغمة التي يستخدمها المحافظون القدامى والجدد في مشروع الردة على الإصلاح السياسي هي رفض المسّ بسلطات الملك. والبعض يعتقد، بحسن نية، أن هذه هي الضمانة ضد الوطن البديل. لكن الحقيقة أن هذا مجرد غطاء للترهيب، وللتهرب من استحقاقات الإصلاح الذي سيطيح بالفساد والحصانة والامتيازات.
ويجب أن أعترف صراحة، وكما رأيت من ردود الفعل الكاسحة في كل مكان، أنني ما كنت سأقدر خلال عام من الجهد لتوضيح الحقيقة للناس، على إنجاز ما حققته هذه الصدفة الربانية انتصارا للحق والحقيقة ولمشروعنا الإصلاحي النزيه..
فشكرا لله من قبل ومن بعد.
الغد
ويبدو أن الجمهور ليس في مزاج رائق أبدا لتقبل "المداعبات" وهو ينتظر موجة جديدة من رفع الأسعار تزيد عيشه ضنكا على ضنك، ولسان حاله -كما تقول مئات التعليقات- نحن نتقلى بنار الأسعار، وهم "يتناغشون".
ومع أن الأردنيين كشفوا عن روح فكاهة وسخرية لاذعة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة الالكترونية، إلا أنهم لا يحتملون المزاح من مسؤوليهم. فهم لا يطيقونهم في جدهم، فكيف في هزلهم؛ وهم الذين حملونا مديونية بـ17 مليار دولار، وعجزا بثلاثة مليارات دينار، وفسادا أودى بموارد البلد ومقدراته، وقلة كفاءة أطاحت بالإدارة وكرست الترهل والعجز؟!
والحق أنني لم أجرؤ حتى على التماس العذر لهما بأنهما كانا يتهامسان بينهما على الورق، فمن الواضح أن الجمهور لا يقبل حتى أن يكونا منشرحين داخليا. ومن سوء حظهما أن مصورا صحفيا بعين صقر حقق اللقطة السبق، فأصبح كل شيء ملكا الجمهور. ورأى معلقون أن الرئيسين مدينان بالاعتذار للشعب عن تصرف استفز الرأي العام وأغضبه بصورة غير مسبوقة، بل اعتبر كثيرون أن حادثة كهذه تكفي سببا لاستقالة رئيس الوزراء من منصبه. لكن هذه فرضية تقتضي أن يكون الرئيسان قارئين جيدين وقد تابعا عن كثب ردود الأفعال، وأنهما يأخذان بالاعتبار الرأي العام.
وهذه مشكلة ثالثة. فإذا كان فحوى التراسل هو السخرية من سلطة الشعب، أي الحكومات المنتخبة، بل واعتبر دولة الرئيس ذلك من نوع "التطاول على سدة الحكم"، فكيف نترجى هذه الحساسية والتقدير للرأي العام؟
وهنا جوهر القضية، وهو انكشاف نمط من التفكير والموقف على طرف نقيض من الإصلاح السياسي. وفي كلمتي التي تبادل الرئيسان التعليق عليها، تشخيص لأزمة إدارة الحكم وتعاقب الحكومات المتواتر، وقد كان حوليا ثم أصبح فصليا مع الربيع العربي، لأقول إنه يؤشر على استمرار نهج الهروب من تغيير السياسات إلى تغيير الحكومات، وأن الحل في إصلاح سياسي ديمقراطي حقيقي وجذري، ينقلنا إلى عصر الحكومات البرلمانية المنتخبة، وهو بالمناسبة الهدف الرسمي المعلن للإصلاح الذي يريده جلالة الملك.
ولكن النغمة التي يستخدمها المحافظون القدامى والجدد في مشروع الردة على الإصلاح السياسي هي رفض المسّ بسلطات الملك. والبعض يعتقد، بحسن نية، أن هذه هي الضمانة ضد الوطن البديل. لكن الحقيقة أن هذا مجرد غطاء للترهيب، وللتهرب من استحقاقات الإصلاح الذي سيطيح بالفساد والحصانة والامتيازات.
ويجب أن أعترف صراحة، وكما رأيت من ردود الفعل الكاسحة في كل مكان، أنني ما كنت سأقدر خلال عام من الجهد لتوضيح الحقيقة للناس، على إنجاز ما حققته هذه الصدفة الربانية انتصارا للحق والحقيقة ولمشروعنا الإصلاحي النزيه..
فشكرا لله من قبل ومن بعد.
الغد