في الصداقة والصديق
ابراهيم العجلوني
جو 24 : خير الأخلاء من ذكرك بالله سبحانه، ومن لفتك الى حقائق تكوينك ولم يخدعك عنها، ومن كان من عاقبة صحبتك له ان لا تقول يوم يقوم الاشهاد: «يا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا».
ولما كان هذا الصنف من الأخلاء نادرا، وكان يغلب على الخُلة في الناس ان تكون مدرجة الى الضلال عن الذكر، فقد جاء في الذكر الحكيم قوله تعالى: «الاخلاء بعضهم يومئذ لبعض عدو، إلا المتقين».
ونحن، في سياق تجاربنا الواقعية، نصادق خبط عشواء لاول الامر ثم لا نلبث ان نميل الى الاختيار في الصداقات، ثم نمضي وراء ذلك فنتمثل ان الخل الوفي عملة نادرة إن لم يكن كالعنقاء امرا ظرفيا.
ومن يقرأ كتاب ابي حيان التوحيدي «الصداقة والصديق» يدرك بالغ اهتمام هذا الفيلسوف المسلم بالصداقة، على الرغم مما مُني به من خيبات في مجمل علاقاته الانسانية، وعلى الرغم من شعوره الممض بالغربة في مجتمع يضطره، الى ان يسف التراب ويختلف الى الابواب ويهرق ماء الكرامة في الاعتاب.
وإن مما لا ريب فيه ان حديث ابي حيان في الصداقة لم يكن لونا من التنظير او استعراض المعارف، إذ لا بد ان يكون عرف من امرها ما دفعه الى ان يقول: «إن الصديق هو انت إلا انه بالجسم غيرك»، ونحن هنا نجزم ان من ينطبق عليه هذا التعريف للصديق هو شخص شاركه الوعي والتجربة في آن، وانه ربما كان واحدا من اولئك العباقرة الذين أورد محاوراتهم الفكرية في كتابيه «الامتاع والمؤانسة» و»المقابسات»، فالتميز العقلي وفقر الحال هما شرطا هذه العلاقة التي تُماهي ما بين ابي حيان وبين من يمكن ان يكون وإيّاه ذاتا واحدة، والمشاكلة في شواغل الفكر ومكابدات الحياة هي شرط هذا اللون من الصداقة الذي كان وما يزال امرا شديد الندرة، ولعل المشاكلة، بوجه عام ان تكون السبب الرئيس لكل ائتلاف، فالارواح كما جاء في الاثر الشريف، جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وليس يكون تعارف، لو امعنا النظر، إلا بين ما يتشاكل من صفات وسجايا، وبين ما يتحقق به التقارب بين الاذواق والعقول.
وإذا كان الاجتماع الانساني ضرورة حيوية وكان الانسان مدنيا بطبعه فان الصداقة «كمال نوعي» لهذا الاجتماع، وإن مما لا يفوتنا استخلاص دلالته ان «الصديق» وضع في مرتبة «الارحام» في سورة «النور» من كتاب الله العزيز، وان الاخلاء في الحق والهدى – فيما ورد من حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم – على منار من نور يوم القيامة، وان الصاحب معنى من معاني «التملّك» فضلا عن المودة، وان صاحب النبي الذي كان «ثاني اثنين، إذ هما في الغار، إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا» ما يزال انموذجا في الصدق والصداقة والصديقية الى آخر الزمان.
وبعد، فنحن هنا بين نوازع متناقضة في تقدير الصداقة، ولن يستقر بنا النظر على ميزان قسط فيها إلا بهدي من كتاب الله وسنة رسوله وتجارب اهل الحكمة التي هي ضالة المؤمن اين ما وجدها فهو احق بها، مع اشارة لا بد منها هي ان الانسان من حيث هو انسان اهل للصداقة بما كرمه الله، وما هو مشمول بالرحم الانسانية الجامعة التي تضم جميع الخلق، على اختلاف السنتهم والوانهم واديانهم.
الرأي
ولما كان هذا الصنف من الأخلاء نادرا، وكان يغلب على الخُلة في الناس ان تكون مدرجة الى الضلال عن الذكر، فقد جاء في الذكر الحكيم قوله تعالى: «الاخلاء بعضهم يومئذ لبعض عدو، إلا المتقين».
ونحن، في سياق تجاربنا الواقعية، نصادق خبط عشواء لاول الامر ثم لا نلبث ان نميل الى الاختيار في الصداقات، ثم نمضي وراء ذلك فنتمثل ان الخل الوفي عملة نادرة إن لم يكن كالعنقاء امرا ظرفيا.
ومن يقرأ كتاب ابي حيان التوحيدي «الصداقة والصديق» يدرك بالغ اهتمام هذا الفيلسوف المسلم بالصداقة، على الرغم مما مُني به من خيبات في مجمل علاقاته الانسانية، وعلى الرغم من شعوره الممض بالغربة في مجتمع يضطره، الى ان يسف التراب ويختلف الى الابواب ويهرق ماء الكرامة في الاعتاب.
وإن مما لا ريب فيه ان حديث ابي حيان في الصداقة لم يكن لونا من التنظير او استعراض المعارف، إذ لا بد ان يكون عرف من امرها ما دفعه الى ان يقول: «إن الصديق هو انت إلا انه بالجسم غيرك»، ونحن هنا نجزم ان من ينطبق عليه هذا التعريف للصديق هو شخص شاركه الوعي والتجربة في آن، وانه ربما كان واحدا من اولئك العباقرة الذين أورد محاوراتهم الفكرية في كتابيه «الامتاع والمؤانسة» و»المقابسات»، فالتميز العقلي وفقر الحال هما شرطا هذه العلاقة التي تُماهي ما بين ابي حيان وبين من يمكن ان يكون وإيّاه ذاتا واحدة، والمشاكلة في شواغل الفكر ومكابدات الحياة هي شرط هذا اللون من الصداقة الذي كان وما يزال امرا شديد الندرة، ولعل المشاكلة، بوجه عام ان تكون السبب الرئيس لكل ائتلاف، فالارواح كما جاء في الاثر الشريف، جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وليس يكون تعارف، لو امعنا النظر، إلا بين ما يتشاكل من صفات وسجايا، وبين ما يتحقق به التقارب بين الاذواق والعقول.
وإذا كان الاجتماع الانساني ضرورة حيوية وكان الانسان مدنيا بطبعه فان الصداقة «كمال نوعي» لهذا الاجتماع، وإن مما لا يفوتنا استخلاص دلالته ان «الصديق» وضع في مرتبة «الارحام» في سورة «النور» من كتاب الله العزيز، وان الاخلاء في الحق والهدى – فيما ورد من حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم – على منار من نور يوم القيامة، وان الصاحب معنى من معاني «التملّك» فضلا عن المودة، وان صاحب النبي الذي كان «ثاني اثنين، إذ هما في الغار، إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا» ما يزال انموذجا في الصدق والصداقة والصديقية الى آخر الزمان.
وبعد، فنحن هنا بين نوازع متناقضة في تقدير الصداقة، ولن يستقر بنا النظر على ميزان قسط فيها إلا بهدي من كتاب الله وسنة رسوله وتجارب اهل الحكمة التي هي ضالة المؤمن اين ما وجدها فهو احق بها، مع اشارة لا بد منها هي ان الانسان من حيث هو انسان اهل للصداقة بما كرمه الله، وما هو مشمول بالرحم الانسانية الجامعة التي تضم جميع الخلق، على اختلاف السنتهم والوانهم واديانهم.
الرأي