مصر بعد الانتخابات
جميل النمري
جو 24 : حسب الأرقام المعلنة، فقد حصل عبدالفتاح السيسي على ثلاثة وعشرين مليوناً ونصف مليون صوت؛ أي أكثر بعشرة ملايين صوت مما حصل عليه الرئيس السابق محمد مرسي. وقد شارك في الانتخابات الأخيرة أكثر من 24 مليون ناخب، أو 48 % ممن يحق لهم الاقتراع؛ أي بنسبة لا تقل كثيرا عن المرة الماضية. مع ذلك، فإن الموقف لا يبدو مقنعا تماما، ويكفي ظهور رقم الـ90 % من الأصوات للمرشح المحسوم فوزه، لنستعيد من الذاكرة نمط الانتخابات الصورية في حقبة ما قبل الربيع العربي.
لا نستطيع التشكيك في الأرقام، ومعظم تقارير المراقبين تحدثت عن عملية انتخابية صحيحة. مع ذلك، فإن المشهد لم يكن مريحا، ولا يمكن مقارنة هذه المعركة الانتخابية الباهتة من طرف واحد، مع انتخابات العام 2012 التي كانت معركة ديمقراطية حقيقية وطاحنة بين متنافسين من كل الأطراف. وحتى المرشح حمدين صباحي الذي حصل في الانتخابات الماضية على ما يقارب 5 ملايين صوت، بفارق ضئيل عن المرشح الآخر أحمد شفيق، حصل (صباحي) في هذه الانتخابات على 750 ألف صوت فقط، أو ما نسبته 3 % من الأصوات، مقابل 96 % من الأصوات للمرشح السيسي. وليس أن تزويرا قد حصل؛ فالنسب صحيحة. لكن كان واضحا أن صباحي هذه المرة لا وزن له في الانتخابات التي دارت معركتها حول المشاركة والمقاطعة، والمشاركة شملت القاعدة الشعبية المؤيدة للنظام الجديد برئاسة السيسي. وهنا الخوف من شمولية شعبية جديدة، تستعيد آلية النظام الناصري الذي حشد شعبية حقيقية لنظام حكم غير ديمقراطي، هذا بينما قوى الثورة الديمقراطية تقف حائرة وضائعة في المعركة المحتدمة بين النظام الذي يمثل الجيش وبين الإخوان المسلمين.
رغم فتور الانتخابات، فإن أصوات السيسي في كل الأحوال لم تكن أقل مما حاز مرسي، ولا جدوى من الطعن في شرعية الرئاسة الجديدة. وقد كان الخطأ الفظيع للإخوان عندما فازوا بالرئاسة، أنهم لم يقدّروا جيدا أنهم حكموا بأصوات مشتركة مع بقية القوى الديمقراطية والإصلاحية. ففي الجولة الأولى، حصل مرسي على قاعدة الإخوان كاملة (5 ملايين صوت)، فيما حصل في الجولة الثانية على 8 ملايين صوت إضافية، لأن جميع قوى الثورة كانت مجبرة على الخيار بين مرسي وبين رمز النظام القديم أحمد شفيق، فاختارت مرسي. وبدل أن يقدر الإخوان ذلك ويحكموا بشراكة حقيقية، انفردوا بعطش أخرق للسلطة، وتفردوا بوضع الدستور الذي يفترض أن يكون القاسم المشترك لتوافق كل قوى المجتمع.
هناك خشية الآن من عودة النظام العسكري، وإلغاء مكاسب الثورة. ونرى غياب المهنية سيد الموقف في أداء وسائل الإعلام المصرية، وبصورة تذكرنا بالحقبة الشمولية. والقوى الديمقراطية تجد نفسها بين فكي كماشة الجيش، وهي ليست مرتاحة لنمط الزعامة الجديد للسيسي، رغم أنها أيّدت إزاحة الإخوان من السلطة.
السيسي سيحظى بالتأييد الضروري لفرض الأمن والاستقرار، لكنْ لن يكون مقبولا أن يتحول إلى سلطة سياسية طاغية. والمعركة لم تنته بعد؛ فالدستور الجديد جيد يضع أسس نظام ديمقراطي برلماني سليم، وهناك انتخابات مقبلة للبرلمان يجب أن تؤدي لتصويب الموقف وتقييد سلطات الرئيس.
الانتخابات البرلمانية المقبلة تستكمل خريطة الطريق، وتعيد التوازن في السلطة. ولا يفيد الإخوان التباكي على الشرعية السابقة، ولا ذرة واقعية في شعاراتهم بالعودة لحكم مرسي. ويمكنهم العودة إلى الساحة السياسية تحت مظلة حزبهم حزب العدالة والتنمية للمشاركة بفعالية في الانتخابات البرلمانية المقبلة. ولا مخرج آخر لهم ولمصر، فالبديل هو صراع دموي مديد بلا نتيجة، سوى الخراب وزعامة عسكرية سلطوية تعيد إنتاج النظام القديم.
لا نستطيع التشكيك في الأرقام، ومعظم تقارير المراقبين تحدثت عن عملية انتخابية صحيحة. مع ذلك، فإن المشهد لم يكن مريحا، ولا يمكن مقارنة هذه المعركة الانتخابية الباهتة من طرف واحد، مع انتخابات العام 2012 التي كانت معركة ديمقراطية حقيقية وطاحنة بين متنافسين من كل الأطراف. وحتى المرشح حمدين صباحي الذي حصل في الانتخابات الماضية على ما يقارب 5 ملايين صوت، بفارق ضئيل عن المرشح الآخر أحمد شفيق، حصل (صباحي) في هذه الانتخابات على 750 ألف صوت فقط، أو ما نسبته 3 % من الأصوات، مقابل 96 % من الأصوات للمرشح السيسي. وليس أن تزويرا قد حصل؛ فالنسب صحيحة. لكن كان واضحا أن صباحي هذه المرة لا وزن له في الانتخابات التي دارت معركتها حول المشاركة والمقاطعة، والمشاركة شملت القاعدة الشعبية المؤيدة للنظام الجديد برئاسة السيسي. وهنا الخوف من شمولية شعبية جديدة، تستعيد آلية النظام الناصري الذي حشد شعبية حقيقية لنظام حكم غير ديمقراطي، هذا بينما قوى الثورة الديمقراطية تقف حائرة وضائعة في المعركة المحتدمة بين النظام الذي يمثل الجيش وبين الإخوان المسلمين.
رغم فتور الانتخابات، فإن أصوات السيسي في كل الأحوال لم تكن أقل مما حاز مرسي، ولا جدوى من الطعن في شرعية الرئاسة الجديدة. وقد كان الخطأ الفظيع للإخوان عندما فازوا بالرئاسة، أنهم لم يقدّروا جيدا أنهم حكموا بأصوات مشتركة مع بقية القوى الديمقراطية والإصلاحية. ففي الجولة الأولى، حصل مرسي على قاعدة الإخوان كاملة (5 ملايين صوت)، فيما حصل في الجولة الثانية على 8 ملايين صوت إضافية، لأن جميع قوى الثورة كانت مجبرة على الخيار بين مرسي وبين رمز النظام القديم أحمد شفيق، فاختارت مرسي. وبدل أن يقدر الإخوان ذلك ويحكموا بشراكة حقيقية، انفردوا بعطش أخرق للسلطة، وتفردوا بوضع الدستور الذي يفترض أن يكون القاسم المشترك لتوافق كل قوى المجتمع.
هناك خشية الآن من عودة النظام العسكري، وإلغاء مكاسب الثورة. ونرى غياب المهنية سيد الموقف في أداء وسائل الإعلام المصرية، وبصورة تذكرنا بالحقبة الشمولية. والقوى الديمقراطية تجد نفسها بين فكي كماشة الجيش، وهي ليست مرتاحة لنمط الزعامة الجديد للسيسي، رغم أنها أيّدت إزاحة الإخوان من السلطة.
السيسي سيحظى بالتأييد الضروري لفرض الأمن والاستقرار، لكنْ لن يكون مقبولا أن يتحول إلى سلطة سياسية طاغية. والمعركة لم تنته بعد؛ فالدستور الجديد جيد يضع أسس نظام ديمقراطي برلماني سليم، وهناك انتخابات مقبلة للبرلمان يجب أن تؤدي لتصويب الموقف وتقييد سلطات الرئيس.
الانتخابات البرلمانية المقبلة تستكمل خريطة الطريق، وتعيد التوازن في السلطة. ولا يفيد الإخوان التباكي على الشرعية السابقة، ولا ذرة واقعية في شعاراتهم بالعودة لحكم مرسي. ويمكنهم العودة إلى الساحة السياسية تحت مظلة حزبهم حزب العدالة والتنمية للمشاركة بفعالية في الانتخابات البرلمانية المقبلة. ولا مخرج آخر لهم ولمصر، فالبديل هو صراع دموي مديد بلا نتيجة، سوى الخراب وزعامة عسكرية سلطوية تعيد إنتاج النظام القديم.