ثورة في التعليم
جميل النمري
جو 24 : يوجد لدى وزارة التربية والتعليم خطة تطوير التربوي على ثلاثة محاور، هي: البنية التحتية، والإدارة، والمناهج. وسوف تناقش وتتوج بمؤتمر تربوي قبل نهاية العام.
المؤتمر ليس الأول من نوعه، ولا الخطة هي الأولى. لكننا نأمل في ضوء نتائج امتحان الثانوية العامة "التوجيهي" لهذا العام، والحقائق التي كشف عنها الوزير المقدام د. محمد الذنيبات، أن نقوم أخيرا بعمل ملموس وجذري للتغيير.
لقد سبق أن وُضعت خطط وتصورات لمواكبة الثورة المعرفية والمعلوماتية منذ بداية عهد الملك عبدلله الثاني؛ بإدخال تعليم الكومبيوتر واللغة الإنجليزية منذ الابتدائية؛ كما وضعت مبادرات للتعليم. لكن الأمر أثمر عند أقلية محدودة، ولم يؤثر على مسيرة التدهور التي لحقت بالتعليم العام.
عندما يكون هناك 342 مدرسة لم ينجح منها أحد في امتحان "التوجيهي"، وعندما يصل عشرات آلاف الطلبة إلى المرحلة "الإعدادية" وهم أميون لا يحسنون القراءة والكتابة، فإنه يحق لنا قرع ناقوس الخطر. وهذا في الجانب الكمي، قبل أن نتحدث عن الجانب النوعي؛ وهو نوعية التعليم والتأهيل والثقافة التي يتلقاها الطالب. وقد حان الوقت لثورة منهجية جريئة.
ورغم التجديد والتغيير اللذين لحقا بكتب التدريس، خصوصا للمواد العلمية، إلا أن بصمة التخلف استمرت وتعمقت في المناهج الأدبية. ويتخلل المناهج توجيه مغرق في السلفية، يؤهل الناشئة لاستقبال التفكير "القاعدي" حتى لا نقول "الداعشي". وابتداء، يجب مغادرة التعليم التلقيني والتحفيظي الغبي. ويجب إنعاش التفكير النقدي والموضوعي لدى الطلبة، وليس ختم عقولهم بالمسلمات. ونحن نقول ذلك منذ سنين، لكن ما تزال مادة سقيمة مثل الثقافة العامة للتوجيهي تعذب الطلبة لحفظها، وهي غير جديرة بالقراءة أصلا، بينما ألغيت مادة الفلسفة من المناهج ولم تعد أبداً، ولا أحد يتجرأ على إعادتها.
ومن الطريف أن أقرأ على موقع "حبر" (وهي مدونة تقدمية اعتبرت موقعا صحفيا غير مرخص فحظرت) مادّة للمعلمة والصحفية دلال سلامة، تقارن فيها بين مستوى الطالبات اللواتي قامت بتدريسهن في العام 1991 في مدرسة حكومية تقع شرقي مدينة المفرق، وبين مستوى الطلبة اليوم. وتصل إلى نتيجة مفادها أن جودة التعليم لا تتراجع فقط، وإنما تنهار في بلد كان يباهي دوما بنسب التعليم وجودته. وأنا درست في إعدادية وثانوية المفرق في الستينيات، وأعتقد أنها كانت أفضل من التسعينيات التي كانت أفضل من الآن! وبعد ذلك، لنا أن نفكر كيف يمكن لمجتمع أن يتقدم إذا كانت نوعية التعليم تتراجع باطراد على مدار نصف قرن؟!
لم يعد هناك مجال للتغافل والمداراة. وها نحن نرى النتائج عندما تم فرض الرقابة الصارمة على "التوجيهي"، وقرر الوزير مكافحة الغش والتلاعب مهما كلف الأمر. فامتحان الثانوية العامة الذي كنا نفترض أنه المحطة الفاصلة الأكثر صرامة ومهابة للتقييم، كان قد تحول الى غطاء يخفي حال التعليم وحال المدارس ومستوى الطلبة وأهلية الشباب في بلدنا، ويسمح بالمرور إلى التعليم الجامعي بجواز سفر مزور. ويكمل ذلك نظام بالٍ للقبول الجامعي والاستثناءات التي لا مثيل لها في العالم.
ودعونا من مقولة المدارس والمناطق الأقل حظا؛ فالمدارس التي لم ينجح منها أحد تتوزع على مختلف المناطق. نعم، هناك مناطق نائية وفقر وبيئة غير مؤاتية، لكننا تحايلنا على القصور بمنح ميزات القبول للجامعات بمعدلات أدنى من خلال الاستثناءات، بدل أن نسهر على تطوير التعليم في تلك المناطق. وقد يكون ضروريا إلغاء الترفيع التلقائي، أو وضع محطات تقييم كل 3 سنوات تمنع الترفيع لما بعدها اذا لم يتم اجتياز امتحان مستوى تحت رقابة مشددة، لمنع التواطؤ وللتمكن من المساءلة.
الغد
المؤتمر ليس الأول من نوعه، ولا الخطة هي الأولى. لكننا نأمل في ضوء نتائج امتحان الثانوية العامة "التوجيهي" لهذا العام، والحقائق التي كشف عنها الوزير المقدام د. محمد الذنيبات، أن نقوم أخيرا بعمل ملموس وجذري للتغيير.
لقد سبق أن وُضعت خطط وتصورات لمواكبة الثورة المعرفية والمعلوماتية منذ بداية عهد الملك عبدلله الثاني؛ بإدخال تعليم الكومبيوتر واللغة الإنجليزية منذ الابتدائية؛ كما وضعت مبادرات للتعليم. لكن الأمر أثمر عند أقلية محدودة، ولم يؤثر على مسيرة التدهور التي لحقت بالتعليم العام.
عندما يكون هناك 342 مدرسة لم ينجح منها أحد في امتحان "التوجيهي"، وعندما يصل عشرات آلاف الطلبة إلى المرحلة "الإعدادية" وهم أميون لا يحسنون القراءة والكتابة، فإنه يحق لنا قرع ناقوس الخطر. وهذا في الجانب الكمي، قبل أن نتحدث عن الجانب النوعي؛ وهو نوعية التعليم والتأهيل والثقافة التي يتلقاها الطالب. وقد حان الوقت لثورة منهجية جريئة.
ورغم التجديد والتغيير اللذين لحقا بكتب التدريس، خصوصا للمواد العلمية، إلا أن بصمة التخلف استمرت وتعمقت في المناهج الأدبية. ويتخلل المناهج توجيه مغرق في السلفية، يؤهل الناشئة لاستقبال التفكير "القاعدي" حتى لا نقول "الداعشي". وابتداء، يجب مغادرة التعليم التلقيني والتحفيظي الغبي. ويجب إنعاش التفكير النقدي والموضوعي لدى الطلبة، وليس ختم عقولهم بالمسلمات. ونحن نقول ذلك منذ سنين، لكن ما تزال مادة سقيمة مثل الثقافة العامة للتوجيهي تعذب الطلبة لحفظها، وهي غير جديرة بالقراءة أصلا، بينما ألغيت مادة الفلسفة من المناهج ولم تعد أبداً، ولا أحد يتجرأ على إعادتها.
ومن الطريف أن أقرأ على موقع "حبر" (وهي مدونة تقدمية اعتبرت موقعا صحفيا غير مرخص فحظرت) مادّة للمعلمة والصحفية دلال سلامة، تقارن فيها بين مستوى الطالبات اللواتي قامت بتدريسهن في العام 1991 في مدرسة حكومية تقع شرقي مدينة المفرق، وبين مستوى الطلبة اليوم. وتصل إلى نتيجة مفادها أن جودة التعليم لا تتراجع فقط، وإنما تنهار في بلد كان يباهي دوما بنسب التعليم وجودته. وأنا درست في إعدادية وثانوية المفرق في الستينيات، وأعتقد أنها كانت أفضل من التسعينيات التي كانت أفضل من الآن! وبعد ذلك، لنا أن نفكر كيف يمكن لمجتمع أن يتقدم إذا كانت نوعية التعليم تتراجع باطراد على مدار نصف قرن؟!
لم يعد هناك مجال للتغافل والمداراة. وها نحن نرى النتائج عندما تم فرض الرقابة الصارمة على "التوجيهي"، وقرر الوزير مكافحة الغش والتلاعب مهما كلف الأمر. فامتحان الثانوية العامة الذي كنا نفترض أنه المحطة الفاصلة الأكثر صرامة ومهابة للتقييم، كان قد تحول الى غطاء يخفي حال التعليم وحال المدارس ومستوى الطلبة وأهلية الشباب في بلدنا، ويسمح بالمرور إلى التعليم الجامعي بجواز سفر مزور. ويكمل ذلك نظام بالٍ للقبول الجامعي والاستثناءات التي لا مثيل لها في العالم.
ودعونا من مقولة المدارس والمناطق الأقل حظا؛ فالمدارس التي لم ينجح منها أحد تتوزع على مختلف المناطق. نعم، هناك مناطق نائية وفقر وبيئة غير مؤاتية، لكننا تحايلنا على القصور بمنح ميزات القبول للجامعات بمعدلات أدنى من خلال الاستثناءات، بدل أن نسهر على تطوير التعليم في تلك المناطق. وقد يكون ضروريا إلغاء الترفيع التلقائي، أو وضع محطات تقييم كل 3 سنوات تمنع الترفيع لما بعدها اذا لم يتم اجتياز امتحان مستوى تحت رقابة مشددة، لمنع التواطؤ وللتمكن من المساءلة.
الغد