دعوة للتمهل
جميل النمري
جو 24 : لو كان لي أن أقترح، فسأطلب من الحكومة تأجيل المؤتمر الوطني المنوي عقده في العشرين من الشهر الحالي لإقرار إطار الخطة العشرية (2015-2025)، لبضعة أسابيع، يتاح خلالها اطلاع عموم المهتمين وأخذ "تغذية راجعة" كما يقال، على تفاصيل الخطة التي تعكف على صياغتها، حسب وزير التخطيط د. ابراهيم سيف، 19 لجنة تعمل على سبعة محاور، ستقدم نتائج عملها للمؤتمر المنوي عقده خلال أقل من أسبوعين.
المؤتمر بذاته، كما نعرف، ليس المناسبة التي يتم فيها الاطلاع على النصوص ومناقشتها، وتقديم الاقتراحات بشأنها. المؤتمر يجب أن يتوج النقاش، ويجب أن تكون هناك فترة كافية، لشهر على الأقل، بعد طرح الخطة-الإطار، ليتمكن المعنيون في كل قطاع من الاطلاع عليها وإبداء الرأي بشأنها. وسوف أضرب مثلا بمجالين رئيسين؛ الصحة والتعليم، وهما قطاعان خدميان رئيسيان، يحتاجان إلى إصلاحات عميقة، ضمن رؤية محددة وبرنامج يتوجب الالتزام به حتى النهاية. لا أفكار وشعارات ومبادىء عامة، بل خطة تنفيذية لهذه المبادئ التي يسهل الاتفاق عليها، ولكن سنجد الاجتهادات تتعدد والحيرة والتردد يتسيدان الموقف عند تقديم المقترحات المحددة التي تترجم الرؤية والمبادىء. وفي العادة، ووفق تجربتي، يكون الميل عادة إلى تعويم الأمر، وتركه للمسؤولين في حينه، وبحيث أن ما يحصل عمليا هو أن كل وزير يعمل بما بين يديه وقتيا ووفق اجتهاده الخاص، ثم نجد أنفسنا بعد سنوات في وضع غير ذي صلة إطلاقا بالأهداف التي وضعت في حينه.
ولو أخذنا في التعليم، مثلا، موضوع التعليم المهني وربط التعليم الجامعي بسوق العمل؛ فهذا الشعار-الهدف سنتفق عليه فورا، لكن قيمته لن تتعدى قيمة الحبر الذي طبع به إذا لم يرتبط بحسابات رقمية وإجراءات محددة؛ في التعليم الثانوي، والقبولات الجامعية، والمناهج، والتمويل والشراكة بين الأكاديميا والقطاع الخاص.
أول ثغرة في الخطة-الإطار هي المصداقية، والتي استنفدت بالكامل، ومنذ زمن، عبر كل الخطط واللجان والمؤتمرات المتوالية التي عقدت على مدار عشرية ونصف العشرية، ثم بقيت على الأرفف، وفي مقدمتها الأجندة الوطنية. مع ذلك، فأنا لا أقول بالتخلي عن الخطة، ولا أفقد الأمل بها، لأن التخطيط يبقى واجبا وضروريا، وعربون المصداقية هو وجود إطار تنفيذي يحدد بوضوح ما هي الإجراءات في المدى المنظور التي يتوجب إعلان الالتزام بها أمام الرأي العام وأمام نواب الشعب. وأخشى أن المؤتمر السريع الآن سوف يؤدي إلى نفس النتيجة التقليدية؛ الإعلان الاحتفالي عن إطار الخطة وأهدافها، وتنحية الالتزامات الإجرائية الخلافية.
وأعود إلى مثال التعليم. يجب أن نتذكر أنه إلى جانب 342 مدرسة لم ينجح منها أحد، هناك مئات المدارس التي نجح منها اثنان أو ثلاثة أو أربعة طلبة فقط؛ فما هي الخطة لمراقبة الأداء والمحاسبة عليه كل سنة، بل كل فصل، في كل مدرسة؟ وماذا عن امتحان "التوجيهي" للسنوات المقبلة؟ وماذا عن أسلوب القبول الجامعي؟ وماذا عن الاستثناءات؟ وماذا عن كلفة التدريس؟ وماذا عن منهج التدريس ومحتوى التعليم الجامعي؟
ليس لدي فكرة عما تم ويتم وضعه لكل قطاع، وكيف يتصرف أعضاء اللجان المكلفون بالخطط؛ وهل سيقومون بواجب شكلي رفعا للعتب، أم أنهم يملكون الدافعية والرؤية والمستوى لوضع الأفكار والمشاريع؟! أمهلونا قليلا ودعونا ننظر في ما سيقدمون.
الغد
المؤتمر بذاته، كما نعرف، ليس المناسبة التي يتم فيها الاطلاع على النصوص ومناقشتها، وتقديم الاقتراحات بشأنها. المؤتمر يجب أن يتوج النقاش، ويجب أن تكون هناك فترة كافية، لشهر على الأقل، بعد طرح الخطة-الإطار، ليتمكن المعنيون في كل قطاع من الاطلاع عليها وإبداء الرأي بشأنها. وسوف أضرب مثلا بمجالين رئيسين؛ الصحة والتعليم، وهما قطاعان خدميان رئيسيان، يحتاجان إلى إصلاحات عميقة، ضمن رؤية محددة وبرنامج يتوجب الالتزام به حتى النهاية. لا أفكار وشعارات ومبادىء عامة، بل خطة تنفيذية لهذه المبادئ التي يسهل الاتفاق عليها، ولكن سنجد الاجتهادات تتعدد والحيرة والتردد يتسيدان الموقف عند تقديم المقترحات المحددة التي تترجم الرؤية والمبادىء. وفي العادة، ووفق تجربتي، يكون الميل عادة إلى تعويم الأمر، وتركه للمسؤولين في حينه، وبحيث أن ما يحصل عمليا هو أن كل وزير يعمل بما بين يديه وقتيا ووفق اجتهاده الخاص، ثم نجد أنفسنا بعد سنوات في وضع غير ذي صلة إطلاقا بالأهداف التي وضعت في حينه.
ولو أخذنا في التعليم، مثلا، موضوع التعليم المهني وربط التعليم الجامعي بسوق العمل؛ فهذا الشعار-الهدف سنتفق عليه فورا، لكن قيمته لن تتعدى قيمة الحبر الذي طبع به إذا لم يرتبط بحسابات رقمية وإجراءات محددة؛ في التعليم الثانوي، والقبولات الجامعية، والمناهج، والتمويل والشراكة بين الأكاديميا والقطاع الخاص.
أول ثغرة في الخطة-الإطار هي المصداقية، والتي استنفدت بالكامل، ومنذ زمن، عبر كل الخطط واللجان والمؤتمرات المتوالية التي عقدت على مدار عشرية ونصف العشرية، ثم بقيت على الأرفف، وفي مقدمتها الأجندة الوطنية. مع ذلك، فأنا لا أقول بالتخلي عن الخطة، ولا أفقد الأمل بها، لأن التخطيط يبقى واجبا وضروريا، وعربون المصداقية هو وجود إطار تنفيذي يحدد بوضوح ما هي الإجراءات في المدى المنظور التي يتوجب إعلان الالتزام بها أمام الرأي العام وأمام نواب الشعب. وأخشى أن المؤتمر السريع الآن سوف يؤدي إلى نفس النتيجة التقليدية؛ الإعلان الاحتفالي عن إطار الخطة وأهدافها، وتنحية الالتزامات الإجرائية الخلافية.
وأعود إلى مثال التعليم. يجب أن نتذكر أنه إلى جانب 342 مدرسة لم ينجح منها أحد، هناك مئات المدارس التي نجح منها اثنان أو ثلاثة أو أربعة طلبة فقط؛ فما هي الخطة لمراقبة الأداء والمحاسبة عليه كل سنة، بل كل فصل، في كل مدرسة؟ وماذا عن امتحان "التوجيهي" للسنوات المقبلة؟ وماذا عن أسلوب القبول الجامعي؟ وماذا عن الاستثناءات؟ وماذا عن كلفة التدريس؟ وماذا عن منهج التدريس ومحتوى التعليم الجامعي؟
ليس لدي فكرة عما تم ويتم وضعه لكل قطاع، وكيف يتصرف أعضاء اللجان المكلفون بالخطط؛ وهل سيقومون بواجب شكلي رفعا للعتب، أم أنهم يملكون الدافعية والرؤية والمستوى لوضع الأفكار والمشاريع؟! أمهلونا قليلا ودعونا ننظر في ما سيقدمون.
الغد








