القدرة والإرادة في تصنيف القادة
على مدارِ أشهرٍ مَضتْ أجريْتُ قراءةً توافقيةً بينَ نتائجِ عددٍ من الدراساتِ والمقالاتِ التي أعدّها مجموعةٌ من الباحثين المتمرسين من مختلفِ دول العالم، وقد اختصت هذه الدراسات في مواضيعَ بحثيةٍ يمكنُ تأطيرها في حقل القيادة والتنمية فقد حاوَلَتْ هذه الدراسات أنْ تبحثَ في العلاقةِ بينَ عوامل عدة والإنجازات التنموية في بعض الدول. وقد برزَ من بين ما برز أنَّ للنمط القيادي الذي ينتهجُهُ قادةُ المؤسساتِ العامةِ دوراً فاعلاً في مستوى وتأثير الإنجازات التنموية.
وبقراءةٍ استدلاليةٍ لنتائجِ الدراسات حولَ هذا المحور، استطعتُ أن أُكَوِّنَ تصنيفاً لأنماط القيادات الإدارية في عالمنا المعاصر وفقاً لمعياريّ "القدرةِ والإرادة" اللذيْن اعْتَـبَرَتْهُما الدراسات من العواملِ الأكثرِ تأثيراً في عمليةِ اتخاذ القرارات الاستراتيجية ذات الأبعاد التنموية.
ويضعُ هذا التصنيف القادةَ الإداريين ضِمنَ أربعةِ أنماطٍ أو اشكالٍ هي: القائدُ الذي يَقدِرُ ويُريد، والقائدُ الذي لا يقدرُ ويُريد، والقائدُ الذي يَقدرُ ولا يُريد، والقائدُ الذي لا يَقدرُ ولا يُريد.
النمطُ الأول للقائدِ الإداري يتَّصفُ بالكفاءةِ والامتلاءِ بالكفايات اللازمة لقيادةِ مؤسستِه بما يَدعَمُ الوصولَ إلى رؤيتها، وأداءِ رسالتها، وتحقيقِ أهدافها، والعملِ بموجب الأولوياتِ بشكلٍ متسقٍ تماماً مع برنامج العمل الوطني العام، مصحوباً ومتمكناً بصلاحياتٍ كافيةٍ تُعينُهُ على القِيامِ بمهامِهِ ومسؤولياتِهِ واتخاذِ القرارِ المناسبِ في الوقت المناسب ضِمنَ بيئةِ عملٍ مؤسسيةٍ تعتمدُ مبادئَ وممارساتِ الإدارةِ الرشيدة، وهُـوَ مثالُ القبطانِ المحترف الذي يُمسكُ بزمامِ سفينتهِ، مُحدّداً بُوصَلتَهُ، محاطاً بعزائمِ وولاءِ طاقمِ السفينة.
أمّا النمطُ الثاني فهوَ القائدُ خالي الوفاض من القُـدرات والإمكانيات الذاتية، مُعتمداً على صلاحياتٍ مُنِحَت له ولا يستطيعُ توظيفَها في خدمةِ رؤيا ورسالةِ وأهدافِ المؤسسة مما يجعلُهُ غيرَ قادرٍ على إحداث التوافق مع برنامج العمل الوطنيّ العام، وغيرَ جديرٍ في ترتيب الأولويات، وغيرَ داعمٍ لثقافةِ عملٍ مُؤسسيّةٍ تعتمدُ الإدارةَ الرشيدة، وهوَ بذلك حالُهُ حالُ القبطان المُدّعي للقدرةِ على قيادةِ السفينة وامتلاكِ الخبرة والحكمة، يسيرُ بلا هدىً باحثاً عن قبسٍ من نور يضيءُ له ظلامَ الطريق بينما أفرادُ طاقَمهِ يتلاطمونَ كتلاطُمِ أمواجِ البحر وينشُدونَ النجاةَ بأنفسهم غير مبالين بمصيرِ سفينتهم.
ويأتي النمطُ الثالث ذلكَ القائدُ الممتلئ بما تحتاجُهُ مؤسستُه لكنّهُ مُكبَّلُ اليدين، مسلوبُ الصلاحية، يحاولُ أن يُمسك بالأمورٍ فيَصطدمُ بجدارِ العزلِ والاحتواء، فلا تلمَسُ المؤسسةُ لهُ نفعاً لأن خبراتهُ غير قابلةٍ للنفاذِ مِن جدارِ رأسه وطرفِ لسانه فبقيت حبيسةً في نفسه إلى أن يَقضيَ اللهُ أمراً كانَ مفعولاً.
أما الطامةُ الكُبرى فهوَ النمطُ الرابعُ الذي لا يُسمِنُ ولا يُغني منْ جوع؛ فهو فارغٌ بحجم الفضاء من كُلِّ ما تحتاجُهُ المؤسسة منْ قُدراتٍ وخبرات، ولا يملكُ الصلاحياتِ التي تُعينهُ على رفدِ قُدراته الخاويةِ باجتهادٍ قد يَذهبُ بالمؤسسةِ إلى الهاوية.
ترى هل تصلحُ المطابقةُ بين هذه الأنماط وتصنيف دول العالم؛ فيكونُ النمطُ الأول من نصيبِ العالم الأول المتقدم، والثاني للثاني، والثالث للثالث... ويبقى لدينا نمطٌ رابع لم نجدْ لهُ عالماً نُسْكِنُهُ فيه.. لذا وَجبَ إعادةُ تصنيفِ الدول لِيكونَ لدينا مستوىً رابع يليقُ بالنمط الرابع؟!
أتركُ استنتاج الدلالات للقارئ الكريم... وَلَيتنا نَعتبِر.
الدكتور قيس جمال الخلفات
qkhalafat@yahoo.com