في رحاب الزعبي وقورشه
لم أعتد الكتابةَ في وصفِ الشخوصِ إطلاقاً وكنتُ متمسكاً بمبدأ أنَّ الكتابةَ في المبادئ والمواقف تكفي لأنْ تُبرزَ من تُعنيهم تلك المبادئ والآراء ومن لا تُعنيهم مهما غرق الكاتب في الرمزية والتعميم؛ إلا أنني وجدت نفسي مدفوعاً في زمن الاتجار بالأديان والأوطان والأعضاء والأفكار والأقلام للخروج عن ما اعتدت لأكتب في رحاب نطاسَيْن وتشكيليَيْن بارعَيْن، أجادا "الجراحة الوطنية"، وإسماع "الغدد الصمّاء" وإنطاق "الغددِ البكماء" وإبصار "الغدد العمياء"، ورسمِ وتشكيل الوجدان الوطنيّ وإنْ اختلفا في استعمالِ "المِشرط" و"الفُرشاة"؛ إلا أنهما التقيا عندَ المواضِع التي تستوجبُ الإزالةً والإزاحةَ والاستئصالَ تارةً، وترطيبَ الجُروحِ والقُروحِ المؤلمةِ تارةً أخرى.
لقد أيقظَ أمجد قورشه وأحمد حسن الزعبي فينا نحن نزلاء قسم "الجراحة الوطنية" حسّاً فريداً كشفَ لنا أوجاعاً وآلاماً غيرَ تلك الأعراض التي شخّصها أولئك الذين نَسَوا القـَسَمَ الذي أقسموه لحظةَ "مزاولتهم المهنة".
رسمَ كلٌّ منهما ومِن مرسمهِ الخاص لوحةً احتوتْ كلٌّ منها التفاصيلَ نفسَها والألوانَ ذاتها، وإذا ما جُمعتا معاً في تَجاوُرٍ أفقيٍّ أو عموديٍّ فإنكَ ستكونُ أمامَ المشهد الوطنيَ ظاهراً في أبعاده الثلاثة، وستقفُ مشدوداً بكامل حواسكَ إلى قصةٍ تحكي همومنا وتروي أحلامنا من بلاد القفقاس إلى مضاربِ الرمثا. فلو عُدنا واصطففنا عندَ نقطةٍ واحدةٍ وعلى مسافةٍ متساويةٍ من تلكَ اللوحةِ المُدمجةِ ونظرنا إليها بتجردٍ وتمعُنٍ وتبصُّرٍ؛ لتعانقنا عناقَ المحبين على النحو الذي تَعانـَقَ فيه قلمُ "أحمد" وقرطاسُ "أمجد" على منضدةٍ إسلاميةٍ عربيةٍ أردنية.
لم تجمعني بـ "أحمد" و "أمجد" صداقةٌ أو زمالةٌ أو شراكة؛ بل هي المنضدةُ من جَمعتنا وهي تتسعُ للجميعِ وللجميع. لقد أحببتُ فيهما الاحتفاظ بذاتِ الاختصاص، وذاتِ الهمة، وذاتِ الهوية، وأدركتُ أنَّ مسامات جلدَيْهما عصيّةٌ على التلوين، وأنَّ راحات كفيهما لا تزلن تقبضانِ على جمرِ الانتظار وجذورِ الأصالةِ التي تفوحُ منها رائحةٌ الإيمانِ الزكيّة ونسماتُ السرائرِ النقيّة. يُناضلان الكثير ويملكان القليل، يكتبانِ وصفاتهم العلاجية – على خلاف غيرهم من النطاسين – بأحرفٍ مُستقلّةٍ ومُشرّعةٍ للأعلى، لا وصلَ ولا فصلَ بينها. تٌعيد إلى أذهان من وصفت له زمناً غابراً يحيي في نفسه عبقاً من العزة والكرامة والاستقامة.
أخي الفاضل "أمجد".. أخي الكريم "أحمد".. جعلكما الله منَ الحامدين لفضلِه ومن المُمجّدين لعظمته وقدرته ورحمته بعباده، وأدام عليكما نعمة الثبات وجنبكما الهنات.
د. قيس جمال الخلفات
qkhalafat@yahoo.com