jo24_banner
jo24_banner

اقتصاد الطعام والشراب

جميل النمري
جو 24 : حوادث فساد الغذاء تقع لا محالة، وهي محتملة في كل مكان وزمان. لكن حادثة التسمم الغذائي في أحد فنادق البحر الميت، قبل أيام، هزت الرأي العام في الأردن؛ بسبب نتيجتها المأساوية، وحصولها في أحد الفنادق الموثوقة من فئة 5 نجوم.
وهذه الواقعة سبقتها حوادث تخص أماكن ذات سمعة ومكانة مرموقة، منها مطاعم تمثل استثمارات سياحية كبيرة؛ حيث تم العثور على لحوم أو مواد أخرى منتهية الصلاحية أو غير صالحة للاستهلاك البشري، ما أثار فزع الناس وغضبهم. فإن كانت حتى هذه أماكن غير مأمونة لجهة سلامة الطعام ونظافته، فماذا عن بقية الأماكن من مستويات أدنى؟!
المحصلة هي ضربة قاسية لقطاع اقتصادي رئيس. وأنا أقلق من النفخ الإعلامي في هذا النوع من الأخبار، وأتمنى لو أن وسائل الإعلام، وخصوصا الإلكترونية، تتعامل معها بكثير من التحفظ؛ انطلاقا من المسؤولية الوطنية، وحتى مصلحة المؤسسات المعنية التي تمثل استثمارا كبيرا لا يجوز تدميره من أجل إثارة صحفية. ولنأخذ خبر الفندق نفسه؛ فقد تبين لاحقا، حسب الفحوصات المخبرية لمواد من مطاعم الفندق، أنها كانت سليمة، ولم تكن هناك بكتيريا ممرضة أو فوق الحد الطبيعي. ما قد يعني أن الحادثة معزولة. وقد يكون سبب التسمم بقاء الطعام وقتا طويلا لدى العائلة، أو أسباب أخرى ينبغي كشفها. لكن في الأثناء، فإن سمعة المكان تضررت بصورة خطيرة.
ومع أن الناس تتشفى بالإعلان الصريح عن الأسماء، إلا أنني أعارض بشكل عام الإعلان عن أسماء المحال والمطاعم والمصانع ما دام أن القرار لم يكن السحب النهائي للرخصة. وهذا ليس من باب التساهل تجاه المذنبين؛ لكن يجب مراعاة المصلحة العامة للاقتصاد، وأيضا عدم إلحاق ضرر نهائي بالمؤسسة المعنية، في الوقت نفسه الذي يجب أن تطبق فيه العقوبة القوية لتحقيق الردع.
العيش في المجتمعات "المتروبولية" يقوم على الثقة والمسؤولية وحكم القانون، وإلا استحالت الحياة. ونحن نغادر حتى في البلدات المجتمع التقليدي، حيث تقوم الثقة على صلات المعرفة المباشرة، والجيرة والعلاقات العائلية. في المدينة، فإن كل ما تحتاجه يعتمد على آخرين لا تعرفهم، أو ترتبط بهم فقط في الميدان المحدد لأداء الخدمات وتبادلها. ولا يمكن للحياة أن تكون مقبولة ومريحة من دون ثقافة مكرسة تعلي شأن الاستقامة والمسؤولية المهنية والحضور الدائم للردع القانوني. إذ لا يمكن للمرء أن يعيش مع هاجس أن الغش و"البلف" هما القاعدة في كل ما تحصل عليه من سلع وخدمات. وفي مجال الطعام، فإنه إذا تمكن الشك منا في كل ما يقدم في المطاعم، أو في المواد الجاهزة والمصنعة، أو الخضار وما تتلوث به، فإن المرء سيصل إلى نتيجة أن لا مصدر آمنا غير ما يزرعه في بيته ويصنعه بيديه. وهو ما لم يعد يفعله أحد حتى في القرى والبلدات.
ربما يكون الوقت قد حان لآلية شاملة مختلفة لإدارة هذا الملف. مؤسسة الغذاء والدواء هي جهة مركزية حكومية مسؤولة عن فحص وإجازة المنتجات ومراقبتها على الحدود، ومن مصادر الإنتاج. لكن يكفي أن تكون مرجعية علمية ومعيارية لأجهزة التفتيش على المحال والمطاعم التي تتبع البلديات. أمانة عمان، وكل بلدية، يجب أن تسهر على وجود جهاز تفتيش نزيه وكفء ومحترف، وكبير بما يكفي لتغطية دورية حثيثة على كل مكان يقدم خدمات الطعام والشراب.

الغد
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير