اربعمائة فقط لا غير
متابعتي لوسائل الإعلام وما يدور فيها جعلتني شغوفاً بمعرفة الشخوص الذين يلعبون دور البطولة في الأحداث والفعاليات التي تغطيها هذه الوسائل، وعليه قررت وبكل عنفوان أن أحصد عدد هؤلاء الأبطال المشاركين في الفعاليات العامة الأردنية خلال السنوات الثلاث الماضية، وقد خلصت إلى أن العدد الإجمالي للمشاركين في الفعاليات التي طالتها حواسي الستة ما يقارب الـ (20,000) مدعو ومدعوة. وحتى تتحقق غاية هذه الدراسة بحثت في خلفيات هؤلاء المدعوين (وأقصد بالبحث في خلفياتهم معرفة صفة الدعوة التي تمت دعوتهم على أساسها)؛ فوجدت بعد عناء أن العدد الحقيقي لهؤلاء الأشخاص هو (400) شخص فقط في حين أن عدد دعواتهم كانت (20,000) دعوة، وبلغة الإحصاء فإن ناتج قسمة عدد الدعوات والبالغ (20,000) على عدد الأشخاص والبالغ (400) شخص يساوي (50) دعوة مشاركة بالمتوسط، بمعنى أن جميع هذه الفعاليات قد شارك فيها (400) شخص فقط ونظراً لتكرار مشاركتهم بين هذه الفعاليات أصبح عدد المشاركين (عدد الدعوات) (20,000).
هؤلاء الأربعمائة هم من يتصدرون سدة المنصات في هذه الفعاليات بصفتهم رعاة، أو متحدثين رئيسيين، أو كبار ضيوف، أو رؤساء جلسات، أو ... وبالتالي فإن جهودي الإحصائية لم تطل الطبقة العمومية المتآكلة من المدعوين لأن دعوتهم كانت لأجل ما يملكون من أكفٍ ممتلئةٍ ورشيقةٍ وإيقاعيةٍ لضمان جودة التصفيق.
الأخوة والأخوات.. لم تقف دراستي عند هذا الحد فواصلت السباحة في بحر الأربعمائة لأعرف بماذا يهتمون؟ وما هي هواياتهم ومواهبهم؟ فافترضت أن لكلا منهم مجالأً يهتم فيه وعليه تتحدد مشاركته في الفعالية التي تناسب اهتمامه وهواياته ومواهبه. لكنني اكتشفت اكتشافاً عظيماً لا يقل أهمية عن الاكتشافات والاختراعات العلمية "كالبنسلين والاستنساخ..."؛ وهو أن هؤلاء الأربعمائة متعددوا المواهب والاختصاصات والهوايات؛ فتجدهم في المؤتمرات الطبية والنووية والصيدلانية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والزراعية والتكنولوجية، ومؤتمرات حظر التسليح ووسائل تحديد النسل ومنع التدخين وإغلاق ثقب الأوزون، وفي احتفالات إطلاق المبادرات والاستراتيجيات، وفي رئاسة وعضوية مجالس الإدارة ومجالس الأمناء، واللجان الدائمة وشبه الدائمة والمؤقتة، والهيئات العامة والخاصة والإدارية، واللجان التنفيذية والتوجيهية والاستشارية، والاحتفالات الرئيسية بالأعياد الوطنية والدينية وأعياد الميلاد وحفلات التأبين وعروض الأزياء، فضلاً عن كونهم موضوعاً يحتل صدارة الإطراء والمديح في مقالات الكتّاب، كما وتتصدر صورهم الملونة صفحات الجرائد والمجلات، وتتزين البرامج التلفزيونية بإطلالاتهم البهية، ولغايات الترويج لبطاقات اليانصيب يدرس الآن اقتراح بوضع صورهم على البطاقات كـ "فال خير" للفوز بالجوائز الكبرى.
من هنا أدركت أننا في أيدي أمينة تسعى لإسعادنا وازدهارنا وتناضل في سبيل حريتنا وتقدمنا وتحقيق اكتفاءنا الذاتي الذي يغنينا عن كل أمم الأرض. هنيئاً لك أيها الشعب الأردني بهذه الكوكبة من الفرسان الذين قادوك وسيقودونك إلى بر الأمان والذين قدموا أنفسهم وأعمالهم مكافأة لك مع نهاية خدماتك، وللوطن على رحابته وسعة صدره وعظيم صبره.. ومباركٌ لك أيها الشعب هذا الفوز الكبير بالمرتبة الأولى في مسابقة كظم الغيظ والعفو عن الناس.
ربّ اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات... اللهم آمين.
الدكتور قيس جمال الخلفات
qkhalafat@yahoo.com