السلطة مفسدة
نشرت مجلة الإيكونومست البريطانية المقالة التالية، قبل ما يزيد على سنتين. ونظراً لأهميتها قمت بترجمتها باختصار وتصرف، من اجل تعميم الفائدة من التحليل المعمق الذي توصل إليه المقال.
السلطة مفسدة، لكنها تفسد اؤلئك الذين يظنون أنهم يستحقونها. وهذا ما استنتجه الباحثان الجامعيان (جورس لامرز) من جامعة تيلبرغ الهولندية وآدم غالينسكي من جامعة نورثويسترين الأمريكية.
إن أثمن ما توصل إليه الباحثان أنهما استطاعا أن يجدا مقياساً موضوعياً للفساد. وقد صنف الباحثان مجموعة من اشخاصٍ، شاركوا في تجربة عملية (ميدانية) عن الفساد، إلى صنفين: يمتلك الصنف الأول (سلطة قوية) ، ويمتلك الثاني (سلطة ضعيفة). وخلصت نتائج البحث إلى أن الفساد ينتشر بشكل أكبر بين أصحاب السلطة القوية، لظنهم بأن لهم الحق الطبيعي - (الإلهي divine) في امتلاك السلطة، ومن ثم فإنهم يخضعون لسطوتها وشهواتها من خلال الفساد والمحاباة والتبذير وإذلال أو استعباد الآخرين.
إن النفاق الذي يمارسه الأشخاص العاملون في المستويات الدنيا، من السلم الإداري والوظيفي، يمثل شكلاً من أشكال الخضوع الطبيعي، أي من الضعيف نحو القوي، ويخلق شعوراً لدى هؤلاء بأنهم موجودون في المكان الخطأ والزمان الخطأ. ويكون النفاق شكلاً من أشكال الفساد. وبالتالي فإن التخلص من الفاسدين سينتج إدارات نظيفة، لكن هذه الإدارات تكون بالضرورة ضعيفة. وهذه النتيجة مذهلة !!!
أظن أنه لايمكن وجود إدارة قوية ونظيفة إلا في ظل دولةٍ تطبق مبادىء الشرعية القانونية، ومتقدمة ومعاصرة، بنفس الوقت. وبعكس ذلك يغدو الفساد ضرورة منطقية. وسبحان الله الذي قال " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ".
إن أفضل الحلول للفساد والنفاق معاً يكمن في إعادة توزيع عناصر القوة والضعف بين أفراد وفئات المجتمع، كي تقل الفروقات بينهم. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال ديمقراطية حقيقية.