jo24_banner
jo24_banner

اقتصاديات الأنانية (Economics of Selfishness)

د. عبدالرزاق بني هاني
جو 24 :
يأتي هذا المقال كنتيجةٍ علمية لدراسة ميدانية، استمرت لمدة تزيد على خمسة وعشرين عاماً من البحث، حول سلوك البشر في بيئات وثقافات اجتماعية مختلفة. وقد أجريت للمرة الثالثة. وهنا أعرض نتائج الدراسة الثالثة، التي لم تختلف نتائجها عن سابقاتها، إلا بهامش خطأ يمكن إهماله، من الناحية الإحصائية.
شملت الدراسة الميدانية مجتمعات الهنود الحمر في جبال الأنديز (البيرو)، ولوس أنجلس (كاليفورنيا – الولايات المتحدة)، وباريس (فرنسا) وبرلين (ألمانيا)، وجاكارتا (إندونيسيا)، وطوكيو (اليابان)، واسطنبول (تركيا)، وغزة (فلسطين)، وخمس مدن عربية أخرى، يتجاوز سكان الواحدة منها نصف مليون نسمة، كانت عمان منها.
تأسست فرضية البحث على حالة مُصممة على النحو الآتي: اختار الباحثون، من كل مجتمع، مجموعة من مئة شخص، لأكثر من مرة، من أجل التأكد من ثبات وصدقية العينة، ونتائجها. 
صممت الدراسة، والعينات، والمسألة المعروضة على كل فريق من المبحوثين كما يأتي: 
(1) تُقسّم كل مجموعة من المبحوثين إلى فريقين متساويين، خمسين شخصاً في الفريق الأول، وخمسين شخصاً في الفريق الثاني. 
(2) لا يعرف الأشخاص في الفريق الأول عن الأشخاص الموجودين في الفريق الثاني، لا الأسماء، ولا الجنس، ولا التوجهات.
(3) يُعرض على كل فرد، من الفريق الأول، مبلغاً من النقود، مقداره مئة دولار أمريكي.
(4) يُطلب من كل واحد من الفريق الأول (أي من الذين عُرض على كل واحد من أعضائه مئة دولار) أن يعرض (to offer) على شخص مكافئ له في المجموعة الثانية، جزءاً من المبلغ الذي استلمه. وللشخص العارض (the offeror) أن يعرض صفراً، أو (100%) من المبلغ، أو أي حصة يراها مناسبة. لكن العارض لا يعرف عن المعروض عليه، أي شيء، مهما كان. فكل ما يعرفه عنه أنه موجود، فقط.
(5) يُطلب من الشخص المعروض عليه (أي من المجموعة الثانية)، أن يقبل العرض، أو أن يرفضه.
(6) إذا قبل المعروض عليه، بالعرض، فإن يحصل عليه، ويحق للعارض أن يحتفظ بما تبقى من المبلغ الأصلي، بعد خصم المبلغ المعروض.
(7) إذا رفض المعروض عليه، المبلغ المعروض، فإن الإثنين، أي العارض والمعروض عليه، يخسران المبلغ.

النتيجة:
كانت نتائج الدراسة مذهلة، من حيث التماثل، والتباين، بين المجتمعات. 
ألخص في ما يلي أهم ما توصل إليه فريق البحث، الذي تشرفت بالمشاركة معه، والقيام بجزءٍ من الدراسة الميدانية:
أولاً) كان متوسط المبلغ المعروض في مجتمعات الهنود الحمر (جبال الأنديز)، ومجتمعات لوس أنجلس (كاليفورنيا)، وباريس وبرلين (ألمانيا)، وجاكارتا (إندونيسيا)، وطوكيو (اليابان)، وإسطنبول (تركيا)، وغزة (فلسطين)، يقارب بشكل لافت، (50%) من المائة دولار. أي أن العارض يعرض (50%)، بالمتوسط، من المبلغ على الشخص الذي لا يعرفه.
ثانياً) كان متوسط المبلغ الذي يرفضه المعروض عليه، في مجتمعات الهنود الحمر (جبال الأنديز)، ومجتمعات لوس أنجلس (كاليفورنيا)، وباريس وبرلين (ألمانيا)، وجاكارتا (إندونيسيا)، وطوكيو (اليابان)، وإسطنبول (تركيا)، وغزة (فلسطين)، يقترب من (20%) من الدولار. أي أن المعروض عليه يرفض أي مبلغ يقل عن عشرين دولاراً.
ثالثاً) كان متوسط المبلغ المعروض في مجتمعات المدن العربية يقترب بشكل لافت، (28%) من المائة دولار المعروضة. أي أن متوسط المبلغ المعروض كان (28) دولاراً.
رابعاً) كان متوسط المبلغ الذي ترفضه مجتمعات المدن العربية (5%)، فقط، من المائة دولار.

استنتج الباحثون بأن مجتمعات الهنود الحمر، وسكان المدن الغربية، وإندونيسيا، وغزة، أكثر تمسكاً بالمؤسسات، وأكثر تقبلاً للديموقراطية، السياسية والاقتصادية، من المجتمعات العربية المشمولة في الدراسة، باستثناء غزة. 
 
تابعو الأردن 24 على google news