نظرية الهزيمة التراكمية ... Theory of Cumulative Defeat
د. عبدالرزاق بني هاني
جو 24 :
عادة ما تبدأ الهزائم وتتراكم الانتكاسات من الأسرة باعتبارها نقطة الأصل التي ينبني عليه المجتمع، ثم الدولة، ثم العالم من حولنا.
يبدأ بناء الأسرة الأساسي من شخصين ... الأب (F) والأم (M) ... وتعتمد دالة الإنتاج ... على مستوى كل شخص وتفاعله مع الآخر ... والإنتاج هنا هو كمية ونوعية الأشخاص الذين ينحدرون من هذين الشخصين.
تعرّف الكمية في سياق النظرية بأنها عدد الأفراد الذي يختار الأب والأم أن يُنجبوه ... وتُعرّف النوعية بأنها مستوى لياقة الشخص المُنجَب...
يحمل مستوى اللياقة كيفيات (نوعيات - قيم أخلاقية) (values) متعددة ... الصدق - الأمانة - الإخلاص – الاجتهاد – حب العمل - حب الآخرين. - حب الوطن - الوسطية في الاستهلاك - التفكير - وهكذا ... ولكل واحد من هذه النوعيات مضاد ينفيه ... الكذب ينفي الصدق الخيانة تنفي الأمانة ... الإهمال (التفريط) ينفي الإخلاص ... وهكذا ...
تأخذ كل نوعية (قيمة أخلاقية) قيمة عددية مُعينة ... وعلى سبيل المثال (الصدق الخالص = 100% = 1) ... أما الكذب الخالص = (0) ... و (الأمانة الوسطية تأخذ القيمة = 50% = 0.5) يقابلها إهمال أو خيانة بمقدار (50%) ... وهكذا ...
تفترض نظرية الهزيمة التراكمية بأن المدخلات الأولية للأسرة ... وهما الأب والأم ... تتفاعل في الفضاء النوعي ... أي في فضاء الصدق والأمانة والإخلاص ... وما ينفي كل واحدة من هذه النوعيات ... وعلى سبيل المثال لو كانت قيمة الصدق عند الأب (=1) والقيمة ذاتها عند الأم ... فإن ما يُسمى التفاعل الضربي (Multiplicative Interaction) للأبوين يُنتج قيمة كاملة للصدق كما في المعادلة الآتية
F1 × M1 = 11 = 1
تعني هذه النتيجة بأن الناتج الأسري من قيمة الصدق يكون كاملاً ... أما إذا كانت قيمة الصدق عند الأب (= 80%) وكانت عند الأم ( = 90% فإن الناتج الأسري من قيمة الصدق تكون 72 = 0.9 × 0.8 ... ما يعني بأن تراجعاً أخلاقياً كبيراً قد حدث داخل الأسرة. ...
لو افترضنا بأن الأسرة الآن تتكون من ثلاثة أشخاص ... أب ... وأم ... وولد ... وكانت مستويات قيمة الصدق كما يأتي (0.9) للأب و (0.9) للأم ... و (0.9) للولد ... فإن الناتج الأسري من الصدق يكون (0.729 = 0.9 × 0.9 × 0.9) . ويُرد هذا الانخفاض الكبير في الناتج الأسري من الصدق إلى التفاعل الضربي بين الأفراد الثلاثة ...
لو تخيلنا بأن أفراد الأسرة، بما فيهم الأب والأم كانوا عشرة ... بمستويات صدق كما يأتي:
0.99، 0.95، 0.9، 0.75، 0.75، 0.9، 0.9، 0.9، 0.9، 0.9
فإن الناتج الأسري من الصدق يكون:
0.99 × 0.95 × 0.9 × 0.75 × 0.75 × 0.9 × 0.9 × 0.9 × 0.9 × 0.9 = 28.1%
وهنا تكمن كارثة أخلاقية تنشرها هذه الأسرة في المجتمع
ينطبق هذا القانون على كل القيم التي تدعم وجود المجتمع ... أو تعمل على هدمه التدريجي . ولنا أن نتخيل كيف يُمكن تطبيق هذا المبدأ الأساسي في المجالات الأخرى الاقتصاد والسياسات الاقتصادية - السياسة والمبادئ التي تحكم عمل الدولة - القوى العسكرية واستعداداتها للدفاع - المجتمع وتفاعلاته - البيئة والتفاعل معها ... ...
دعنا ننظر إلى مثال حي من واقع المجتمعات المعاصرة ... لنفترض بأن مجتمعاً ما يتكون من عشرة اشخاص ... التبسيط المثال) ... وكانت قيمة النظافة عن تسعة أشخاص منهم كاملة (1) وكانت عند العاشر ( = 0.1) ... فإن الناتج المجتمعي من قيمة النظافة تنحدر بشكل إلى ...
1×1×1×1×1×1×1×1×1× 0.1 = 10%
لنفترض بأن في مدرسة ما عشرة معلمين وكانت قيمة الإخلاص في تعليم الطلبة عند تسعة معلمين منهم كاملة (1) وكانت عند العاشر ( 0.5 ... فإن الناتج المجتمعي من قيمة الإخلاص تنحدر بشكل إلى ...
1×1×1×1×1×1×1×1×1×0.5 = 50%
وبالتالي تكون نوعية الطلبة المتخرجين من المدرسة عند نقطة الوسط الحسابي.
وفي مثال آخر حول معركة يخوضها جيش معين ضد عدو ما ... كان كل الجنود المقاتلين مخلصين بشكل كامل في الدفاع عن وطنهم ... لكن واحداً منهم كان خائناً فهذا الخائن سيقضي على كل جيش بلده بخيانته بنقل الأسرار إلى العدو !
لنفترض بأن هناك عشرة عاملين في مؤسسة حكومية ... في دولة ما ... وكانت كفاءة العمل عند تسعة منهم كاملة (1) وكانت عند العاشر (= 0.3 ) ... فإن الناتج المؤسسي من العمل ينحدر إلى.
1×1×1×1×1×1×1× 1 × 1 × 10.3 = 30%
وبالتالي يكون الناتج المؤسسي لمصالح المتعاملين قد انحدرت إلى أقل من النصف.
عندما تتراكم القيم النافية للكمال والإخلاص والصدق والأمانة والعلم والمعرفة والتدبر العقلي ... يتعرض المجتمع إلى هزائم متتالية ... تعمل على انهياره أجلاً أو عاجلاً ... والنتيجة النهائية تعتمد على جودة جهود الإصلاح الحقيقية ....
كيف يتحقق الانتصار العظيم المستدام؟ هذا يكون من خلال (الأسرة والتزام الأبوين، المدرسة وإخلاص المعلمين، الحارة والجيران والتعاون، المجتمع وعاداته الحميدة، الحكومة وقوانينها الراشدة).